خاص للمسرى
حاتم خاني
في مدينة عقرة وفي العلالي حيث قمة تل القشلة وفي ساحتها الفارهة وبمجرد ان ترجلنا من السيارة , دخل صاحبي في حديث مع مجموعة من الزائرين الالمان الذين يزورون عقرة مثلنا , وكان من بينهم امرأة كبيرة في السن ,يبدو انها تهتم كثيرا بهندامها حيث ترتدي قميصا ابيضا منسدلا على بنطلونها الجينز رشيقة القوام تقدمت من بينهم حتى اقتربت منا ووجهت الحديث الى صديقي الشاعر بدل رفو باللغة الالمانية ودخلا في حديث لم افهم عن ماذا يتكلمان ,ولكن بدا لي , ان الاسى ينبعث منه , فلكون صديقي الشاعر بدل رفو يعيش في النمسا فهو يجيد الالمانية بطلاقة , مثلها مثل لغته الام الكوردية , وقد اصدر بعض الكتب التي تناولت الشعر الالماني بعد ترجمتها من اللغة الالمانية الى اللغة العربية او الكوردية مثل ( رقصة الشعر ) و ( قصائد حب نمساوية ) وكذلك ( وهلاتێ سپی ، هوزان ژ نهمسا ).
سألته , عن ماذا كانت تتكلم , وهل فعلا ان حديثها يحمل في طياته امرا يدعو الى الاسف , , وهل انها تعيش في مدينته او بالقرب منها , او تمنت ان تكون صغيرة بالعمر لكي تلتقي به ( وترتبط معه !!!! ) , فالشيب على رأس صاحبي جعله اكثر وقارا كما يقول ناظم الغزالي .!!!!
مدينة عقرة تقع على امتداد سفح جبل ( بيرس ) لذا اضطر السكان ان يبنوا بيوتهم قريبة من بعضها متلاصقة في معظمها , البيت الواحد منها اعلى من الاخر حتى انك قد تسير على سطح بيت الجيران الامامي عندما تخرج من باب الدار الخلفية ,او يكون سطح احد الدور جزءا من زقاق الحي الخلفي ,اي تتدرج فيها البيوت امام بعضها البعض وكان الكثير منها مبنيا من الطين او الحجر الجبلي الذي كان يقطع الى كتل ويتم وضعها على بعضها لتكوين جدران المنزل , وفي هذا الصدد تحكي الاسطورة ان طائرا قد حط على جبل عقرة فتفجر منه بركان بدأت سيوله وهي مشتعلة تزحف نحو الاسفل مكونة تلك الاحجار التي استخدمت في بناء منازل العقراويين , وكذلك اشتق اسم عقرة منه حيث ان كلمة ( ئاگر ) تعني النار وقد تحولت بمرور الزمن الى ئاكرى وهي تسمية عقرة باللغة الكوردية .
ان هذا التراصف في ترتيب الدور متدرجة فوق بعضها البعض اعطى تمييزا لهذه المدينة وشكل فيها منظرا أخاذا فريدا كما ان ذلك اجبر احياء المدينة وازقتها ان تكون ضيقة على الرغم انها تحتوي على شوارع وازقة ومحلات ودور عبادة للمسيحيين واليهود ( سابقا ) بالاضافة الى الجوامع المبنية قسما منها قبل مئات السنين مثل الجامع الكبير, احياؤها تنبعث منها رائحة التاريخ وشوقه وعبقه , والكثير من زقاقاتها ملتوية يحتوى معظمها على سلالم ( درج ) للنزول الى الاسفل او الصعود حيث التنقل في بعض أحيائها لا يكون إلا سيرًا على الأقدام .
اغتيال اخر المدن الكوردية القديمة في بادينان
عدت الى صاحبي الشاعر بدل رفو , حيث رد علي بعد كل تساؤلاتي له وقال ,
اغتيال اخر المدن الكوردية القديمة في بادينان فاستفسرت منه وقلت له ماذا تعني ؟
قال لي :
المرأة الالمانية تحدثت عن عقرة القديمة وقالت انها زارت المدينة قبل عدة سنوات وكانت الدور لازالت مبنية من الحجر متراصة مع بعضها , تشعر وانت تنظر اليها وكأن الله قد ابدع في خلق هذا السفح من الجبل وغرس فيها هذه البيوت الجميلة وأسكن فيها عباده الذين يرتدون الازياء الكوردية الملونة واحاط بها تلك الاشجار الباسقة ليرسم منها لوحة جميلة رائعة تبين للجميع كم يحب الله هذه الارض واهلها . تضيف المرأة الالمانية : لكنني تفاجأت ان تلك المشاهد الجميلة قد اختفت وتلاش ذلك الطراز من الابنية وظهرت هذه الدور الان وقد تحولت الى صناديق من الاسمنت الجامد الذي يخلو من تلك الحياة التي كنا نراها ونحن نزور هذه المدينة العتيقة .
بدل رفو ………….. مشكلة في مدننا
بعد ان تركنا الزوار الالمان , سرنا مشيا على الاقدام حتى وصلنا مدخل عقرة القديمة وذلك لكي نلتقط صورا امام تمثال ناجي صبري عقراوي المفكر والكاتب , حيث كان لزاما علينا ان نتذكر رجالنا الذين خدموا بلادنا , مؤرخين , كتابا , مفكرين وفنانين لذا التقطنا صورا امام تمثال الفنان العقراوي كمال عقراوي ايضا .اللقاء لم يقتصر على الراحلين , حيث بمجرد نزولنا الى المدينة وسيرنا على الارصفة بالقرب من قشلة عقرة , وقفت سيارة بمنتصف الشارع وصاح سائق السيارة , ( استاذ بدل كيف الحال انتظرني لكي نقوم بخدمتك ) ورد عليه الشاعر باننا مشغولون , فالتفت اليه وقلت له من هو ( قال لا ادري ) . ثم بعد برهة , خرج شاب من احد المحلات ليأتي ويصافح صاحبي ويتبادل معه كلمات الترحيب كأنه يعرفه منذ الصغر , وقال الشاعر لي , انني اكن لهم جميعا الحب والاحترام والتقدير ولكنني لا اعرفهم قبل الان , واستمرت حالي مع صديقي , ففي مقهى الحجي القديمة المعروفة على مستوى السكان والزوار ايضا وبمجرد جلوسنا واذا ببعضهم يرحبون بنا ويطلبون من صاحب المقهى بان جاياتنا على حسابهم استمرت جولتنا في بازارات الجبن والتين والعسل والملابس الكوردية والفلكلوريات والبان عقرة المشهورة بالاضافة الى اسواق الرز العقراوي الغالي الثمن حتى دخلنا زقاق يعرف بزقاق مير وهو معروف بسلالمه الجميلة ونباتاته الخضراء المزروعة على جانبي الزقاق وعلى جدرانه , وطلبنا من احد الشباب ان يلتقط لنا صورة في بداية الزقاق , ولكن قبل ان يكمل الشاب ذلك اذا بصوت من خلفنا يقول هل لنا ان نشارككم التقاط الصورة , فالتفتنا واذا بفتاتين جميلتين قالت احداهما ( استاذ بدل : انا اقرأ لك كثيرا واتمنى ان توافق على ان التقط معكم صورة للتذكار ) ثم صاح الشاب الذي كان سيلتقط لنا الصورة وقال , انا ايضا اعرف الاستاذ بدل رفو , ونقرأ له كثيرا , ولم يدم الامر طويلا حتى جاءت عائلة الفتاتين وطلبت الوقوف جميعا للظهور في الصورة.
كان الامر بالنسبة لي مشكلة , فلم اكد اكمل جملة في حديث معين معه حتى ارى صاحبي وهو يرد على احد المارة بالترحاب وننسى ما كنا نتحدث به .
في مركز الملتقى الثقافي في عقرة حدثت نفس الحالات , لكنني كنت قد تعودت على الامر عندما طلبوا منه ان يرتب موعدا للمشاركة في امسية ثقافية في مركزهم في اقرب وقت .