المسرى..
إعداد: كديانو عليكو
نال شعراء العراق المعارضين نصيبا كبيرا من القمع في ظل النظام الدكتاتوري، فمن لم يستطع الهرب أو السكوت، كان مصيره في (قصر النهاية أو الشعبة الخامسة)، مشنوقا أو ذائبا في أحواض “حامض النتريك”.
يقول الشاعر رياض ابراهيم: “المشانق منصوبة للعصافير في كل شارع”. عبَّر في هذه الكلمات عن المحنة التي عاناها الشعراء الشهداء في ظل نظام دكتاتوري لا يجيد سوى إراقة الدم.
يسلط هذا التقرير الضوء على حكاية خمسة شعراء عراقيين أعدمتهم سلطة النظام البعثي، وهم يمثلون النبرة العالية لصوت الشعر العراقي الرافض للدكتاتورية.
لوركا العراق.. رياض البكري
ولد رياض البكري في مدينة بابل عام 1950. يُعرّفه جيل السبعينيات بأنّه لوركا العراق، كان من أبرز شعراء العراق في تلك الفترة. كان مطاردًا من السلطات في العهد الملكي وكذلك سلطة الجمهورية الثانية بعد انقلاب عام 1963 بسبب نشاطه السياسي المعارض، سُجن مرات عدة، وخسر وظيفته من جرّاء ذلك، لكنّ الابن الذي سار على خطى أبيه، خسر حياته، وضاع شعره في الصحف العراقية والعربية موقعا بالأسماء المستعارة خوفا من عيون السلطة.
أُعتقل البكري عام 1971 بعد مشاركته في مظاهرات عمّالية يسارية مناهضة لحزب البعث في بغداد، وظل مسجونا في قصر النهاية لمدة 18 شهرا خرج بعدها بكفالة مالية.
ظل رياض البكري يتردد سرا على العراق بين عامي 1976 و1977 متنكرا بأسماء مستعارة، ومستخدما جوازات سفر مزورة، حتى ألقي القبض عليه أخيرا في بغداد نهاية عام 1977، ونُفذ به حكم الإعدام شنقا 1978.
يروي الكاتب خلدون جاويد عن أحد السجناء مع رياض البكري، وهو عامر الداغستاني أنّه حين أخرجوه من الزنزانة فجرا إلى باحة الإعدامات وصعدوا به إلى حبل المشنقة صرخ: “أخبروا أهلي أنني الشاعر رياض البكري، متُّ ولم أعترف”.
خليل المعاضيدي
خليل المعاضيدي من مواليد مدينة بعقوبة عام 1946. تلقى تعليمه الأولي في مدارسها، ثمَّ درَس الأدب الإنجليزي في جامعة بغداد، وعمل مدرسا للغة الإنجليزية في مدارس ديالى من عام 1970 وحتى عام 1978 حين فُصل من الوظيفة، وعمل دهّانا في صباغة الدور والمباني.
شكلت قصيدة المعاضيدي “هلّا قرأتَ البيان الشيوعي؟” نقلةً نوعيةً في معارضته للسلطة، وتأثيرها يأتي في قراءتها مطلع السبعينيات أمام جمهور كبير في حدائق نقابة المعلمين بمدينة بعقوبة، وحتى بعد أن ترك الحزب الشيوعي ظلَّ خليل المعاضيدي ملاحقا من قبل السلطة.
لم ينجح خليل المعاضيدي بالتخفي كثيرا، ففي عام 1981 ومع بداية الحرب العراقية الإيرانية، اعتقل وظل مصيره مجهولا حتى عام 1984، حين أبلغت السلطة عائلته بنبأ إعدامه، وقد رفضت الدولة تسليم جثَّته ومنعت أهله من إقامة مراسم العزاء.
حسن مطلك
كان حسن مطلك شاعرا ورساما وروائيا ونحاتا، وكان ثائرا أيضا. ولد حسن مطلك عام 1961 في قرية سديرة التابعة لقضاء الشرقاط . بدأ ولعه بالرسم مبكرا، لكنَّ والده الذي كان رجلا متدينا كان يمزق لوحاته لأنَّه يعتقد أن الرسم حرام، ومن أجل هذا لم يحقق رغبته في دراسة الفنون الجميلة، واختار التخصص عوضا عن ذلك في التربية وعلم النفس، من جامعة الموصل التي تخرج فيها عام 1983.
أنهى مطلك روايته الأولى “دابادا” عام 1988. نشر روايةً اخرى تتحدث عن “نضال حزب البعث”، وظل يعمل مدرسا لمادة التربية وعلم النفس في معهد المعلمين بمدينة كركوك.
حصل حسن مطلك على الجائزة الأولى للقصة القصيرة عن الحرب العراقية- الإيرانية سنة 1983، عن قصته “عرانيس”، وجائزة الدولة التقديرية سنة 1988 عن قصته “بطل في المحاق”.
شارك حسن مطلك عام 1990 في محاولة لقلب نظام الحكم مع مجموعة من الضباط، اعتقل على إثرها ونُقل إلى سجن الشعبة الخامسة بمديرية الأمن العامة، وأصدرت بحقه محكمة الثورة حكما بالإعدام، وأُعدم شنقا في العام نفسه.
مناضل نعمة الجزائري
مناضل نعمة من مواليد البصرة عام 1960. نشأ ودرس فيها وكتب مبكرا قصائد الرفض خلال عمله كاتبا في مصلحة التمور في البصرة، وهذا ما جعله عرضةً للحبس والتعذيب بشكل شبه منتظم.
حياةٌ قصيرة، لكنَّها حافلة بالمضايقات والاعتقالات والموت، هكذا يمكن تلخيص حياة الشاعر مناضل نعمة الجزائري الذي سقط في هاوية الموت وهو لم يزل في الرابعة والعشرين من عمره.
التحق نعمة مجبرا بالجيش خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثمَّ ألقي القبض عليه مع شقيقه الأصغر باسم عام 1983، بتهمة محاولة الهرب وعبور الحدود العراقية التركية. وتمكنت عائلته آنذاك من الحصول على وثيقة قرار الإعدام من مكتب وزير الدفاع عدنان خير الله طلفاح، كما استطاعت الحصول أيضا على شهادة الوفاة الرسمية بعد سقوط النظام عام 2003، وقد وثّق بها تاريخ الإعدام في نيسان عام 1984.
خالد الأمين
ولد خالد الأمين لعائلة كوردية في مدينة الناصرية عام 1945، وكان والده من أثرياء المدينة القلائل، وأكمل تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس الناصرية، ثمَّ نال شهادة البكالوريوس بالاقتصاد من جامعة بغداد عام 1967.
أُعدم الشاعر خالد الأمين في سجن قصر النهاية ببغداد عام 1972، وتُرجِّح الروايات أنَّه أُلقي في حوض من “حامض النتريك HNO3″، وهذه الطريقة في الإعدامات كانت شائعة حينذاك عندما كان ناظم كزار مديرا للأمن العامة.
انتمى خالد الأمين إلى الحزب الشيوعي، وكان محظورا حينها بعد سيطرة حزب البعث على السلطة.
تأثر خالد الأمين بالشعر الفرنسي، وقرأ رامبو وبودلير ومالارميه وسان جون بيرس واراغون، كما كتب مقدمات لقصائد فرنسية مختارة ترجمها الكاتب أحمد الباقري في كتاب حمل عنوان “رصيف سوق الأزهار”. ويقول المترجم، إن مقدمات خالد الأمين بلغت مستوى رفيعا ضاهت فيه القصائد المترجمة.
أُتلفت قصائد خالد الأمين بعد إعدامه، وكانت هذه عادة عوائل كتاب أو شعراء العراق الذين تعدمهم السلطة، يتخلصون من نتاجهم الأدبي مخافة أن تلاحق السلطة بقية أفراد العائلة. ولا تتوفر للشاعر خالد الأمين سوى ثلاث قصائد هي “القلب البديع”، و”منفضة الأصابع المحشوة بالأصوات”، و”الغرف”.