الكاتب..محمد شريف
حين أعلن العراق تسديد كامل ديونه لصالح صندوق النقد الدولي في آيار الماضي، نقلت “رويترز” عن الصندوق، أن العراق يواجه اختلالات داخلية تفاقمت بسبب التوسع المالي الكبير وانخفاض أسعار النفط، وانه بحاجة لتصحيح أوضاع المالية العامة تدريجيا لتحقيق الاستقرار في الديون على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيات.
في الوقت ذاته، وعلى الرغم من التوسع في ادارة المالية العامة بهدف تحقيق زيادات كبيرة في معدلات النمو، أعلنت وزارة التخطيط عن انخفاض معدلات التضخم من 7.5 بالمئة إلى 4 بالمئة ، وهي سابقة ايجابية لم تحدث من قبل وتحسب للقائمين على السياستين النقدية والمالية، وتسرب عن البنك المركزي ان الاحتياطي النقدي يتجاوز 110 مليارات دولار وان احتياطيات البلاد من الذهب بلغت قرابة 150 طنا .
فكان سداد كامل الديّن الذي بذمة البلاد لصالح صندوق النقد الدولي، وانخفاض معدل التضخم مع ارتفاع معدلات الاحتياطي النقدي مؤشرات لتحول كبير في السياسات الاقتصادية، ليس لأن مبلغ الدّين كان كبيرا ، اذ تجاوز نحو ثمانية مليارات دولار، بل لأن مثل هذه الديون عادة ما تكون مشروطة في سياقات، ما يسمى ببرنامج الاصلاح الاقتصادي الذي يستهدف خصخصة وظائف الدولة وربط مصير البلاد بسياسات الجهات الدائنة ومن يقف خلفها، وقد عرف عالميا ان الحكومات التي تستطيع الخلاص من عبء مديونية الصندوق والبنك الدوليين هي الأكثر نجاحا في ادارة شؤون بلدانها وتنفيذ برامجها المتعلقة بدعم استقرار الاقتصاد الكلي وتنفيذ الإصلاحات المالية الضرورية، ولم يكن دعم برنامج البطاقة التموينية سببا مباشرا في خفض معدلات التضخم وحسب، اذ ساهمت عوامل اخرى ذات صلة بالسياسات النقدية والمالية والحد من الأسواق الموازية، ومن تدفق العملة الأجنبية مع دعم المنتج المحلي في تحقيق ذلك، وهكذا أسهمت زيادة نسبة احتياطيات البلاد من الذهب بوصفها أداة لغطاء العملة المحلية ووسيلة آمنة للتحوط من التقلبات الاقتصادية والتوترات الأمنية التي يشهدها العالم والمنطقة.
وعلى هذا يثبت القائمون على ملفات السياسة الاقتصادية نجاحهم، ويكون من واجبنا الاشارة إلى أن هذه النجاحات مثلما كان واجبنا الإشارة دوما إلى نقاط الضعف والتعثر بهدف الرصد والتصويب، اذ ثبت عدم دقة الرؤية، التي تقدم بها صندوق النقد بشأن أوضاع المالية العامة والديون وإعادة بناء الاحتياطيات.
وها هو العراق اليوم، ينوي زيادة حصته في صندوق النقد الدولي بما يعادل 1.45 ترليون دينار، وبما يدعم قوته التصويتية داخل الصندوق، ويسهم في جذب الاستثمارات وفي خلق بيئة أعمال واعدة وتنمية حقيقية، وبالتالي معالجة مشكلة التضخم في سوق العمل وتنفيذ مفردات البرنامج الحكومي.
المصدر .. صحيفة الصباح البغدادية