محمد شيخ عثمان
يقع إقليم كردستان في صميم الاستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة بشكل عام ، وقد ساهم في تعميق هذا الموقع عبر استقرار نسبي وتعاون طويل مع الولايات المتحدة وذلك بسبب الموقع الجغرافي والجيوسياسي للاقليم اضافة الى الاعتدال الفكري لشعب كردستان ومشاركتهم القيم العليا ازاء السلم العالمي والحريات وحقوق الانسان والديمقراطية،وبالتالي فان وجوده ضمن هذه الاستراتيجية نادرا مايتغير بتغيير الرئيس الامريكي اوانتقال الحكم بين الديمقراطيين والجمهوريين ،ومع ذلك فإن استمرار هذا الدور وتأثيره يعتمد على التزام الإقليم بمسؤوليات معينة تعزز مكانته في الاستراتيجية الأمريكية .
لقد كانت افغانستان في خضم الاستراتيجية الامريكية لكن تخاذل الجيش وتراجع مسؤوليات الحكومة الافغانية وتعثر الوحدة الداخلية فيها اضعفت مكانتها في الاستراتيجية الامريكية التي قررت الانسحاب منها وتسليم زمام الامور الى حركة طالبان بوساطة قطرية .
مع فوز الرئيس ترامب وحزبه بانتخابات الرئاسة والكونغرس لاينبغي للاقليم انتظار كيفية تعامل الادارة الجديدة معه بل عليها مسؤوليات جمة لتعزيز مكانته في الاستراتيجية الأمريكية عبر تنظيم البيت الداخلي وخاصة بعد نجاح الانتخابات البرلمانية والتمسك بخطاب الوحدة والتكاتف بدلا من بث الفرقة والتسلط والتفرد والتكابر فالاستقرار الاسياسي والامني الداخلي المستدام في الإقليم عامل حاسم لبقاء دوره محورياً ضمن الاستراتيجية الأمريكية ويجعله شريكاً موثوقاً لها في تحقيق الأمن ومحاربة الإرهاب في المنطقة.
كذلك فان ارساء الحكم الرشيد وتطوير المؤسسات يعتبران من الشروط التي تشجع الولايات المتحدة على تقوية علاقتها بإقليم كردستان، إذ تعزز تصحيح مسار الحكم و الشفافية والمحاسبة من مصداقية الشراكة مع واشنطن وتبقى عاملاً مهماً لتعزيز مكانة الإقليم في استراتيجيتها خاصة وان لتشرذم الوحدة الداخلية وغياب الحكم الرشيد وانتشار الفساد تبعات خطيرة امريكيا من حيث إضعاف المصداقية أمام الولايات المتحدة التي تميل إلى دعم حلفاء يتمتعون بتماسك داخلي وقدرة على اتخاذ قرارات موحدة،وبالطبع فان انتشار الفساد المالي والإداري يؤثر سلباً على سمعة الإقليم ويضعف من موقفه أمام واشنطن، التي تضع الحكم الرشيد كأحد أولوياتها.
اضافة الى التعاون الأمني المستمر فان التعاون الوثيق بين قوات البيشمركة والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب يُعدّ أساسياً لبقاء كردستان ضمن الاستراتيجية الأمريكية، ومن هذا المنطلق ينبغي العمل الجاد من اجل توحيد البيشمركة (بشكل عادل ومتوازن) كي تحافظ على قدراتها وتطوير التنسيق مع قوات التحالف الدولي بما يضمن استمرارية الدعم الأمريكي للإقليم كعنصر رئيسي للأمن في المنطقة.
استقرار الإقليم وفعالية مؤسساته الأمنية والاقتصادية تجعل منه شريكاً مهماً في الاستراتيجية الأمريكية، لكن غياب الشراكة والحكم الرشيد وانتشار الفساد والانقسامات الداخلية يهددان هذه الشراكة وقد يدفعان واشنطن لإعادة تقييم علاقتها مع الإقليم.
ختاما،تعد اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، التي وُقعت عام 2008، وثيقة رئيسية لتحديد العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ورغم أنها تنظم العلاقات الثنائية بين واشنطن وبغداد بشكل عام، إلا أن لإقليم كردستان العراق موقعاً خاصاً في هذا الإطار، نظراً لدوره المهم في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وساهمت هذه الاستراتيجية في إيجاد حلول وسط تدعم الفيدرالية من جهة وتقلل التوتر بين بغداد وأربيل من جهة أخرى وكذلك دعمم المسارالدستوري للبلد.
كي يحافظ إقليم كردستان على موقعه في الاستراتيجية الأمريكية، يجب عليه تعزيز وحدته الداخلية، والالتزام بالحكم الرشيد، والحد من الفساد وكبت الحريات وغياب استقلالية القضاء، وكل ذلك من صميم استراتيجية الاتحاد الوطني ايضا لتصحيح مسار الحكم في الاقليم وانهاء التفرد والتسلط ومعاناة المواطنين .
*رئيس تحرير مجلة”المرصد”