سوران علي*
عاجلا أم آجلا سيدرك الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني أنه اقترف خطأ سياسيا لا يغتفر وأوقع الكورد في فخ من الصعب الخروج منه، وذلك بتحالفه خارج البيت الكوردي منفردا وبنصف مقاعد الكورد فقط من أجل الحصول على مزيد من المكاسب الحزبية الضيقة، فانقلاب الطاولة رأسا على عقب وفي أي لحظة أمر وارد تماما، وعندها لن يسعف البارتي لا شركاؤه في البيت الكوردي الذين خذلهم، ولا حلفاؤه القدامى من الشيعة الذين أدار لهم ظهره اليوم، وبالتالي سيجازف بمكتسبات الكورد ويجعلها في مهب الريح.
فقد درج الكورد في العراق الجديد منذ عام 2003 على حمل راية التوافق لضمان استحقاقات المكون في بلد طالما كانوا فيه مضطهدين وحقوقهم مغتصبة كونهم أقلية مقارنة بالشيعة والسنة، وقد قوبل هذا المبدأ بانتقادات واسعة منذ ذلك الحين ولا يزال، ولكنه في الحقيقة نفع الكورد أيما نفع، إذ ساهم اعتماده في حكم البلاد حتى الان في:
تثبيت فيدرالية إقليم كوردستان وسيادته في الدستور العراقي.
ضمان حصول الكورد على حصتهم من الموازنة المتفق عليها أيضا بالتوافق والمقدرة سنوبا بـ (17%).
بالإضافة إلى ضمان مشاركة الكورد في المفاصل المهمة في الدولة كمجلس النواب ولجانه المهمة والمحكمة الإتحادية والجيش والقوات الأمنية والوزارات والسفارات والهيئات المستقلة كالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الإعلام والاتصالات وغيرها كثير.
هذا كله دون أي تدخل للمركز في شؤون الإقليم القانونية والإدارية.
وربما يدعي البعض أو يُظهر أن هذا التحالف الكوردي المنفرد سيعزز تلك المكتسبات ويقويها، دون إدراك خطورة الخطوة مستقبلا على الثوابت الكوردية في العراق الجديد، فهناك تناقضات تؤكد هشاشة هذا التحالف، وضعفه، وعدم قدرته على البقاء طويلا، وتدلل على عدم قيامه على ركائز مبدئية قوية، بل على مصالح سياسية آنية عابرة، وبالتالي فهو عرضة للانفراط والاضمحلال، ويأتي بعد ذلك المرحلة الصعبة التي سيكون فيها الكورد انفسهم ضحية ما اقترفه طرف منهم بتبني مبدأ لم ولن يكون في صالح أحد إلا مكون الأغلبية وهم معروفون في العراق، ومن التناقضات التي يحملها التحالف:
من المفارقة أن يجمع البارتي بين دغدعة المشاعر القومية والوعود بتحقيق حلم الدولة المستقلة وتفعيل نتائج الاستفتاء الذي أجري عام 2017 في كوردستان، وفي الوقت نفسه يدعو لأفكار وطنية عراقية، ويرشح شخصية مثيرة للتساؤلات لأعلى منصب سيادي في العراق وهو رئاسة الجمهورية.
يعد الطرف الأكبر عددا في التحالف وهو التيار الصدري عراب استجواب هوشيار زيباري مرشح البارتي للرئاسة عندما كان وزيرا للمالية عام 2016 وتم على إثره سحب الثقة منه لاحقا، ما يخلق تأييد زيباري احراجا للتيار في الشارع وبين القوى السياسية.
يعتبر زعيم التيار الصدري قوات البيشمركة ميليشيا، فيما يفخر زعيم البارتي بكونه من البيشمركة طوال خمسين عاما الماضية، وهذا من التناقضات الرئيسة بين الطرفين.
يشدد التيار الصدري على عراق موحد من الشمال إلى الجنوب، بل ولا يؤمن بالفدرالية التي نص عليها الدستور، في حين يردد البارتي في أدبياته الحزبية والسياسية ويروج لفكرة الاستقلال ويعتبر نفسه حاملا لرايتها.
لا يزال نص الاتفاق المبرم لإقامة التحالف بين التيار الصدري والبارتي وعزم وتقدم، مكتم عليه وغير معلن، ولكن أغلب الظن أنه لم يقم على أساس متين ولا يحمل شيئا في طياته يسر الناظرين من العراقيين غير المصالح الحزبية وتوزيع المناصب وإلا لكان قد أعلن على الملأ بالتطبيل والتزمير، الأمر الذي يجعله قابلا للتفسخ في اي لحظة، عندها سينقلب السحر على الساحر ويعود الكورد بخفي حنين ويصبح مكتسباتهم التي يفخرون بها أمام رحمة الأغلبية التي شارك في ابتداعها طرف واحد منهم، خصوصا وأن الطرف الأكبر في التحالف الداعي للأغلبية معروف بعدم الثبات والاستقرار السياسي، وآراؤه المتقلبة ستحول الأمر إلى برميل بارود قد ينفجر بوجه معديه.
*صحافي من كوردستان