الكاتب..طالب عبد العزيز
لا أحد ينكر الجهود الخدمية التي تبذلها الحكومة المحلية في البصرة، والامر أكبر من أن يشار اليه في ورقة صغيرة كهذه، والحقَّ يقال بأنَّ المدينة شهدت نهضة عمرانية وحضارية خلال سنوات قليلة إلّا أنَّ معاينة هنا ومعاينة هناك تكشف عن أخطاء بسيطة يمكن تلافيها لو أنَّ الجهات البلدية تسمع وتأخذ بعين الاعتبار ما يقوله المواطن البصري، بوصفه الجهة الرقابية الأكثر أهميةً، لأنه المستفيد من الخدمات بالدرجة الأولى.
كل المستمتعين بشارع الكورنيش، القبلة الاجمل في المدينة، قالوا بحاجة الشارع الى دورات مياه صحية، إذْ من غير المعقول أغفال الخدمة هذه، فهي حاجة وضرورة للآلاف الذين نجدهم هناك، صباح ومساء كل يوم، يأكلون ويشربون، نساء وأطفال وكبار في السن وكلهم بحاجة الى الخدمة البسيطة هذه، وغير المكلفة، لكنَّ الغريب في الامر هو لماذا لم تفكر الجهة المستفيدة (الحكومة المحلية) بإدراج ذلك ضمن مخطط المشروع؟ هل هو غفلة أو انتفاء الحاجة؟ فيما لسان حال المواطن يقول بأنَّ ذلك تمَّ خارج العقلية البلدية، التي يفترض بها الإدراك والوعي والتدبر لا الغفلة، فالمشروع الخدمي الكبير هذا تقف خلفه عقول جمهرة من مهندسين والاداريين.
هل نقول بأنَّ عقلية البلديات في البصرة وربما هي في عموم العراق إمّا جامدة أو متخلفة أو نفعية! كثير من المعطيات تمنحنا حرية الجملة هذه، وإلا ما معنى زراعة نخيل الواشنطونيا- يسميها البعض جوز الهند- في الأرصفة والجزرات الوسطية، والكل يعلم أنها بلا ظلال؟ ونحن في صيف طويل وحرارة قاتلة وبحاجة الى الأشجار العملاقة، كثيفة الظلال، وهناك الأنواع الكثيرة من الأشجار بذات الوصف، وهي سريعة النمو، رخيصة التكلفة، ومعمرة مثل شجرة البرهام واليوكابتوس والالبيزيا واللبخ وغيرها. أقول هذه وأنا في طريقي من منطقة السرّاجي، ماراً بالبراضعية، وشارع السعدي، حتى ساحة عبد الكريم قاسم، في مركز المدينة، وقد غرس فيها العشرات من أشجار الواشنطونيا.لا أعتقد بأن تشجير حدائق وشوارع المدن في العالم يتم بعشوائية كالتي تعمل عليها البلدية عندنا، إذْ أنَّ الامر يتوجب فيه مراعاة الطبيعة المناخية والرطوبة والبرودة والحاجة والاوكسجين والانبعاثات الحرارية والجمال والصورة الجوية لكنَّ البلدية في البصرة وفيها جمهرة من المهندسين الزراعيين لا يأخذون بالحسبان التفاصيل هذه، فهي وعلى سبيل المثال مازالت تصر على زراعة أشجار نخيل التمر على الرغم من الامراض والهلاكات وبطء النمو وضآلة الافياء، بل وعدم الجدوى إذ أنَّ النخلة مكانها البستان، وهي مكلفة الثمن، وكلنا شاهد ويشاهد المئات من النخيل التي ظلت تجفُّ وتيبس وتموت بعد اشهر من غرسها.هل نقول بأنَّ قضية تشجير الشوارع والحدائق تخضع لأمزجة البعض؟ ربما، وهذا طبعاً إذا أحسنا الظن بالقائمين على الامر، أما إذا بحثنا في ثنيّات الموضوع فقد نعثر على ما يعني الانتفاع المالي للمقاولين الذين يتواطؤون مع الجهات المستفيدة في ذلك، وهي مثلها مثل المقرنص، الذي كان يقام ويقلع، ثم يقام ويقلع، عشرات المرات في الكثير من مدننا، دون معرفة الأسباب. وبحساب بسيط نقول بأنَّ شجرة نخلة التمر التي تقلع من البساتين في الفرات الأوسط ويصل سعرها بعد غرسها في الجزرة الوسطية بالبصرة ليس أقل من 250 الف دينار عراقي، وهي بلا ظلال وبنمو بطيء، فيما شجرة البرهام لا يكلف سعرها الـ خمسة آلاف دينار، مغروسةً وهي كثيفة الظلال ومعمرة، والنخلة كثيرا ما تهلك، فيما البرهامة والكاليبتوسة رخيصة ومضمونة الغرس بنسبة لا تقل عن 99%. ألا ترون معي بأنَّ القضية تتجاوز حدود الغفلة وصفاء النية أيضاً؟
المصدر : المدى