محمد شيخ عثمان
التحول في سوريا يمثل لحظة مفصلية في المنطقة، ومع الآمال بأن هذا التحول سيمثل بدايةً لحل الأزمة السورية ، فإنه لا يمكن إغفال أن سوريا الجديدة ستواجه تحديات هائلة، سواء على صعيد إعادة بناء سوريا أو على صعيد حمايتها من التدخلات الخارجية التي قد تقوض سيادتها أو تفكك جغرافيتها.
وفي خضم هذه التحديات، تقع المسؤولية الكبرى على القوى السياسية والاجتماعية والمدنية السورية، لبناء سوريا جديدة وقوية وكتابة دستور جامع يمثل كافة المكونات وذلك بدعم دولي وجوارها
التوقيت في هذه المرحلة حقا عامل حاسم في إعلان وتبني التغييرات التي تفرضها الضرورة والمعادلات والتوازنات وأي تسويف في ذلك قد تتمخض عنه عواقب لا تحمد عقباها مثلما تستدعي اللحظة السياسية الدقيقة والخطيرة كثيراً من العقلانية والتفكير الدقيق لتقويم كل العناصر الإيجابية والسلبية في الوضع وتحديد العقبات، الكبيرة والصغيرة، ودراسة الخيارات والتبعات التي تترتب على كل خيار، والتأثير المتبادل بين جميع العناصر ووضع سلم أولويات، وحلحلة العُقد والمشكلات في تصوّر منطقي شامل يتيح الانطلاق والاستقرار والاستمرار.
لقد بدأ تغيير جديد على خرائط النفوذ فى سوريا وأن سياقه الإقليمى الراهن يختلف تماماً عما كان عليه الوضع خلال الفترة (مارس 2011- أكتوبر 2023)، وأن سقوط النظام السورى بعد 13 عاماً من الصراع المسلح مع المعارضة يسقط مسارات “صيغة استانا” الروسية-الإيرانية-التركية، وربما يعيد النظر إلى أهمية إحياء مسارات جنيف التى تعتمد تنفيذ القرار 2254 أساساً لها.
وسط هذه التجاذبات تواجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية الكردية تحديات كبيرة في ظل تعقيدات الوضع السوري، خصوصًا مع الضغوط من جميع الأطراف: تركيا، النظام السوري، المعارضة المدعومة تركيًا، وحتى القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وروسيا.
لكي تتمكن “قسد” والإدارة الذاتية من التعامل مع هذه التحديات وتحقيق استقرار نسبي، عليها تحمل مسؤوليات واضحة في هذا الظرف العصيب واتخاذ خطوات استراتيجية في تعاملها مع دمشق، المعارضة، وتركيا ،وهناك العديد من المهام والاولويات والمسؤوليات على عاتقهما ابرزها:
الحفاظ على الأمن والاستقرار في مناطقهما
مواجهة أي عودة لتنظيم داعش في المناطق التي تسيطر عليها، خصوصًا مع وجود مخيم الهول وأعداد كبيرة من عائلات التنظيم.
تعزيز الحكم المحلي وإدارة المناطق بشكل عادل لطمأنة جميع المكونات (عرب، كرد، مسيحيون، وآخرون) وضمان عدم تصاعد التوترات الداخلية.
الحفاظ على العلاقات مع القوى الدولية
ضمان استمرار الدعم الأمريكي من خلال التركيز على مكافحة الإرهاب كأولوية مشتركة.
إدارة التوازن بين الدور الأمريكي والضغوط الروسية، خاصة أن موسكو ترغب في دفع قسد نحو صفقة مع دمشق.
التكيف مع الضغوط التركية
العمل على خفض التوتر مع تركيا والبحث عن خطوات عملية لطمأنتها بشأن عدم وجود تهديد مباشر من “قسد”.
الحوار مع دمشق
أولوية المصالح المشتركة: يمكن لقسد أن تستغل رغبة دمشق في ترسيخ الاستقرار السياسي لإيجاد أرضية مشتركة.
مطالب الحكم الذاتي: ينبغي لقسد أن تطرح رؤية مرنة للحكم الذاتي ضمن إطار الدولة السورية، بدلاً من السعي لتشكيل كيان منفصل، لتجنب تصعيد التوترات.
تقاسم الموارد: ضمان اتفاقيات واضحة بشأن إدارة الثروات النفطية والموارد الطبيعية في شمال شرق سوريا.
الحذر من هيمنة دمشق: يجب أن تتجنب قسد السماح للنظام باستعادة السيطرة الكاملة على المناطق الكردية، خصوصًا إذا لم تُلبَّ مطالبها بشأن الحقوق الثقافية والسياسية وضمان تثبيت ركائزها في الدستور.
التعامل مع المعارضة السورية وأطرافها المختلفة من خلال:
**بناء الجسور مع المعارضة المعتدلة: العمل على فتح قنوات حوار مع المعارضة السورية التي لا تتبنى مواقف معادية للكرد. هذا سيساعد في توحيد الجهود ضد الهيمنة التركية والتأكيد على أن الإدارة الذاتية ليست مشروعًا انفصاليًا، بل جزء من رؤية أوسع لسوريا ديمقراطية.
الضغط على القوى المدعومة من تركيا: عبر محاولات التهدئة يمكن لقسد إرسال إشارات إيجابية إلى المعارضة المدعومة من تركيا (مثل الجيش الوطني السوري) لإيجاد صيغة تعايش.
مخاطبة الفصائل العربية: بناء علاقات مع الفصائل العربية المعتدلة التي ترى في “قسد” شريكًا محتملًا وليس خصمًا.
طمأنة تركيا حول العلاقة مع PKK و قطع أو تقليص الارتباط المباشر معه
ينبغي على “قسد” اتخاذ خطوات ملموسة للحد من نفوذ قادة مرتبطين بـ PKK في سوريا، وإظهار استقلالية واضحة للإدارة الذاتية و يمكن أن تشمل هذه الخطوات إعادة هيكلة القيادة العسكرية والمدنية بما يبرز دور الشخصيات المحلية.
التأكيد على أنشطة محلية لا تهدد تركيا مثل التركيز على مشاريع تنموية وإدارية داخل مناطق الإدارة الذاتية، وإرسال إشارات إلى أن هذا المشروع ليس موجهًا ضد تركيا.
تجنب أي تصريحات أو تحركات يمكن أن تُفسر بأنها دعم لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا.
طلب ضمانات من الولايات المتحدة وروسيا لتركيا بأن الإدارة الذاتية لن تشكل تهديدًا أمنيًا لحدودها وكذلك الاستفادة من دور واشنطن في لعب دور الوسيط لتجنب التصعيد مع أنقرة.
بامكان قسد أن تقدم مبادرات حسن نية مثل إنشاء منطقة محايدة على الحدود السورية-التركية أو وقف أي تحركات عسكرية قرب الحدود.
خطوات استراتيجية
يجب أن تواصل “قسد” والادارة الذاتية الحوار مع جميع الأطراف لضمان مكانتهما في مستقبل سوريا عبر خطوات استراتيجية في هذا الظرف الحساس ابرزها:
تعزيز التماسك الداخلي: معالجة الانقسامات الداخلية بين الكرد والعرب وبقية المكونات لضمان وجود جبهة موحدة.
تطوير مؤسسات الحكم الذاتي: تحسين الخدمات والبنية التحتية لإظهار نجاح الإدارة الذاتية كنموذج مستدام.
العمل على دعم دولي أوسع: التواصل مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى لضمان استمرار الدعم السياسي والاقتصادي.
الابتعاد عن التصعيد العسكري: تجنب المواجهات المباشرة مع تركيا أو دمشق والتركيز على الحلول السياسية.
ختاما.