الكاتب.. مصطفى هذال
يوما بعد آخر يتأكد للبشرية ان لا سبيل للعيش دون المعرفة الرقمية التي أصبحت بمثابة الطريق الرئيس الذي لا يمكن ان يحيد عنه أي فرد، وهو ما يؤكد ضرورة ان تجتهد الدولة والمؤسسات المساندة الأخرى في جعل المجتمعات تمتلك مهارات وسلوكيات ومعارف خاصة بالتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والمطورة… يعيش العالم اليوم في مرحلة الانفجار المعلوماتي، والتحول الرقمي في جميع مجالات الحياة، حتى أصبحت التقنيات والتطورات مظهر مهم من مظاهر الحياة العصرية، لكن ومع هذا التقدم الهائل لا تزال بعض الشعوب تعيش الامية التكنولوجية ولم تخبر من الحداثة الى الشيء البسيط، ومنها الشعب العراقي الذي يفتقر الى الكثير من المقومات لمواكبة هذا التطور.لا يتحمل المواطنون هذا النقص الحاد في المعرفة الرقمية، وقد فرضت عليهم أوضاعهم السياسية التي عاشها البلد لعقود من الزمن ان يكونوا هكذا، ومع تغيير النظام اخذ الافراد بالإقبال على التقنيات الحديثة وما يرافقها اشبه بمن يلاحق السراب ضنا منه ماءا.اما في وقتنا الحالي فقد غدت التربية الرقمية أسلوب حياة يركز على المعرفة والتعلم والثقافة وتوظيف التقانة في التنمية والتقدم والنفعية على المستوى الفردي، أو على المستوى الاجتماعي.ومن هنا يكمن أهمية الحديث عن موضوع التربية الرقمية بوصفه منهج تثقيفي توعوي يهدف إلى إكساب الأفراد ثقافة حديثة ذات بعد رقمي يتمحور حول الاستخدام السليم والفعال لما توفره تقنيات البيئة الرقمية من وسائل اتصال، وبصورة إيجابية وضمن الأطر القانونية.
العراق وكما أسلفنا من البلدان المتأخرة كثيرا في موضوعة تعزيز التربية الرقمية، وقد تتحمل الحكومات المتعاقبة مسؤولية هذا التقصير وعدم الاستفادة مما تتيحه هذه التقنيات من فوائد جمة تنعكس على الحياة الاجتماعية للأفراد، ومن أوجه التقصير تأخرها في تعميم القرارات الحاثة على ضرورة استخدام بطاقات الدفع الالكتروني في التعاملات الشرائية اليومية.وعندما أصدرت قرار باستخدام الدفع الالكتروني في محطات تزود الوقود، لم يكن هنالك إشكاليات كبيرة كما كنا نتصور في بادئ الامر، قد حصل بعض الأخطاء من قبل المستخدم المواطن او الموظف، لكن هذا لا ينفي الفائدة الكبيرة المتحققة من اتباع الطريقة الحضارية في التعاملات النقدية.
الثقافة الرقمية كغيرها من الثقافات الأخرى، فيمكن ان تكون التربية التكنولوجية كالتربية الاجتماعية، تحتاج الى مراحل ومستويات لتعميمها، على سبيل المثال البدء بالدفع الالكتروني في المحطات اعقبه إجبار المواطنين على تسديد الغرامات المرورية باستخدام الطريقة ذاتها.وهنا نريد التأكيد على أهمية الدور الحكومي في تعزيز هذه الثقافة عبر الاعتماد التدريجي لشمولها جميع الطبقات الاجتماعية، وتتمكن من التغلغل مع التغييرات المستقبلية التي ستطرأ على حياة الشعوب ونمط عملها اللذان يتأثران بشكل كبير في القفزات الرقمية.وبعد هذه القفزات برزت الحاجة الفردية الى تعلم المزيد من المهارات التي تجعلهم قادرين على استخدام ما يصدره لنا العالم المتقدم من تقنيات حديثة، ولا يمكن للمعرفة الرقمية ان تتعزز دون اتباع جملة من الخطوات، يأتي في مقدمتها مضاعفة الجهد الحكومي لمحو الامية التكنولوجية.ويتحقق المحو عبر إطلاق برنامج وطني إرشادي تثقيفي في جميع المحافظات، وظيفته القضاء على الامية وتحويل الافراد الى افراد قادرين على التعامل مع الوافد الجديد، وهنا يتحتم على الناس أن يُواصلوا تطوير وتجديد مهاراتهم ومعرفتهم لكي يُجاروا الابتكارات المستمرة والتطورات الجديدة في العالم الرقمي.ومن الخطوات المهمة الأخرى هو توفير بنى تحتية رقمية رصينة تطرد المخاوف المتكونة لدى الافراد والمتعلقة بمصير أموالهم المودعة في البطاقات الرقمية، فالكثير منهم لغاية الآن لا يثقون بالإجراءات الحكومية الخاصة في الجوانب المالية، وهنا يتحتم على الجهات الحكومية العمل لتقليص وردم فجوة الثقة مع المواطنين.يوما بعد آخر يتأكد للبشرية ان لا سبيل للعيش دون المعرفة الرقمية التي أصبحت بمثابة الطريق الرئيس الذي لا يمكن ان يحيد عنه أي فرد، وهو ما يؤكد ضرورة ان تجتهد الدولة والمؤسسات المساندة الأخرى في جعل المجتمعات تمتلك مهارات وسلوكيات ومعارف خاصة بالتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والمطورة، ذلك كونها منهج ووسيلة لا غنى عنها في أنشطة الإنسان.
المصدر : النبأ