منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تتالت التحليلات والتصريحات التي اعتبرت تركيا “الفائز الأكبر” في المشهد السوري. أنقرة نفسها عززت هذه الرواية، بينما صرح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بأن تركيا تمتلك “مفاتيح اللعبة” في سوريا. لكن الكاتب ستيفن كوك يرى الأمور بمنظور مختلف يتحدى السردية السائدة حول تطورات الأوضاع في سوريا، من خلال مقال نشره في مجلة “فورين بوليسي”.
لا ينكر كوك المؤشرات الواضحة التي تعكس الروابط القوية بين أنقرة والإدارة الجديدة في دمشق، معترفا بأن تركيا تحتل موقعا متقدما في سوريا، ودورها كـ”راعية لهيئة تحرير الشام”، التي أسقطت نظام الأسد. ويرى الكاتب أن موقع تركيا المجاور لسوريا وخبراتها في مجال البنى التحتية سيسهل عليها الحصول على عقود ضخمة مع بدأ إعادة الإعمار البلاد.
لكن كوك يعتبر أن “الرئيس رجب طيب أردوغان يواجه عقبات كبيرة تحول دون ترسيخ نفسه كصانع القرار الخارجي الرئيسي في دمشق”.
وأشار المقال إلى أن أنقرة أرادت من الهجوم الذي انطلق على حلب أواخر تشرين الثاني – نوفمبر أن تضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لتطبيع العلاقات معها وهذا ما سعت إليه على مدى العامين السابقين، ولم تكن تسعى لإسقاطه. “لكن مع انهيار الجيش السوري، غيرت تركيا سياستها، مدعية أن رحيل الأسد كان دائما جزءا من خطتها”.
ورأى كوك أن ادعاء تركيا العلني برعاية هيئة تحرير الشام “كان مستفزًا” لأي شخص يتذكر ملاحقة الصحفيين الأتراك الذين كشفوا عن تنسيق أنقرة مع هيئة تحرير الشام، وهي عملية أشرف عليها رئيس المخابرات آنذاك، هاكان فيدان، الذي يتولى حاليا منصب وزارة الخارجية.
يُذكر أنه في العام 2015، ادعت السلطات التركية على كان دوندار، رئيس التحرير صحيفة “جمهوريّت” المعارضة، وأردم غول، رئيس مكتب الصحيفة في أنقرة، بتهمة التجسس و”كشف أسرار الدولة”، بعد نشر تقرير يشير إلى أن أجهزة الاستخبارات التركية أرسلت أسلحة إلى متمردين إسلاميين في سوريا.
ويعتقد الكاتب أن أمام أحمد الشرع حاليا خيارات أوسع بكثير مما كان متوفرا قبل شهرين. فصحيح أن وزير الخارجية التركي سبق الجميع إلى دمشق، لكن وفود أخرى عربية وأجنبية استقبلت أيضا في دمشق والتقت الشرع. كما أن وفدا سوريا زار دول عربية أخرى من السعودية إلى الأمارات وقطر والأردن.
ولفت المقال إلى أن الأتراك يدعون وجود علاقة ثقافية مع الدول العربية تمنحهم فهما فريدا للمجتمعات الشرق أوسطية. لكن هذا الادعاء غالبا ما يكون فارغا، ويستند إلى فهمهم الخاطئ للتاريخ العثماني. بالتأكيد، أظهرت الاستطلاعات على مر السنين أن شعبية أردوغان تعتمد بشكل أساسي على دعمه للفلسطينيين، كما أن هناك عددا كبيرا من السياح العرب في إسطنبول، ولدى العرب ميل واضح للدراما التركية، ولكن ذلك لا يشكل علاقة ثقافية حقيقية. أو قد يعول أردوغان على الطابع السياسي – الإسلامي لنسج علاقاته، كما حصل في أماكن أخرى من العالم العربي.
لكن بغض النظر عن أي علاقة يسعى الأتراك لنسجها مع السوريين، فإنها “لا تقارن بتلك التي يشعر بها السوريون تجاه إخوانهم العرب”. وهذا يمنح المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والعراق، والأردن، ودول أخرى ميزة على تركيا في دمشق، وفقا للمقال.
وتطرق كوك إلى المسألة الكردية في سوريا، مذكرا أنه أنقرة لم تستطع القضاء نهائيا على حزب العمال الكردستاني طيلة 40 عاما من الصراع، ولا يوجد أسباب للاعتقاد أنها ستنجح بذلك في سوريا، خصوصا أن القوات الكردية في سوريا مسلحة بشكل جيد ومستعدة للدفاع عن نفسها.
من جهة أخرى، لا يمكن الجزم أن هيئة تحرير الشام ستقف إلى جانب تركيا في جهودها للقضاء على الأكراد. وكان أردوغان قد أعلن سابقا أنه كان يتوقع الحصول على مساعدة من الإدارة الجديدة في سوريا ضد القوات الكردية، ما فسره الكاتب على أنه اعتراف ضمني بمحدودية قدرة تركيا في سوريا.
لذلك يعتقد كوك أنه من المبكر القول إن تركيا انتصرت، رغم أنها لاعب أساسي ومتقدم في سوريا، وأن التصورات الخاطئة قد تفاجئ المراقبين في المستقبل.