عماد احمد
من الممكن النظر الى الانتخابات العراقية المبكرة كبداية مرحلة جديدة، لاسيما مايخص كوردستان، فقد كانت لها تداعيات من احداث وتطورات جديدة تستحق الوقوف عندها.
نرى ان على القوى الاساسية التعامل مع الوضع المستجد بحذر وتأن والبدء فورا باجراء تغييرات واصلاحات على المستوى الداخلي لهم ومن ثم على مستوى الاقليم وتغيير نظام الحكم والاستعداد لمواجهة هذه المرحلة الحساسة والسير باتجاه التصالح مع الشعب والجمهور على وجه الخصوص، لان تدني نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المبكرة لبرلمان العراق دليل على امتعاض وقلق الشعب وفقدان ثقته بنظام الحكم.
في الحقيقة ان تداعيات الانتخبات واتجاه المفاوضات وزيادة التدخلات الخارجية وغياب حكمة مام جلال والتحالفات التي هي افرازات اضافية، تبعث على القلق وليس ببعيد ان تكون اشارات خطيرة، ولهذا فان افرازات مرحلة ماقبل ومابعد الانتخابات تستدعي اتخاذ موقف وصحوة ومراجعة ذاتية وجماعية جدية، بشكل ترد على مستجدات واحتمالات هذه المرحلة التاريخية المختلفة والصعبة.
وفي احدث تطور، فان قرار المحكمة الاتحادية العليا فيما يخص قانون النفط والغاز لاقليم كوردستان الذي نص على “عدم توافقه مع الدستور العراقي”، ليس في مصلحة الاقليم وهو تحد آخر وحرَّكَ السفن بما لاتشتهي سفن الاقليم، لكن من الضروري ان تتعامل سلطة الاقليم معه بهدوء وحذر شديد، وليس ابداء ردود افعال آنية. مايستدعي السعي الحثيث لتشريع قانون النفط والغاز في العراق وفق الدستور وبشكل يحدد بوضوح ما للاقليم وما له ويضمن حقوق شعب كوردستان وان تحمى فيه مكانة الاقليم ككيان دستوري. لاننا نرى ان حل المشاكل لايتم عبر تقليل صلاحيات الاقليم او تدخلات الحكومة الاتحادية في شؤون كوردستان، بل الامر بحاجة الى حوار شامل وواسع، لان تجاوز مكانة وموقع اقليم كوردستان الدستوري اكبر انتهاك للدستور.
من الواضح عند الجميع ان الفساد واللاعدالة وانفلات الامن والاضطراب منتشر بشكل كبير في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة، وان الوضع المعيشي والخدمات والاعمار في مدن الوسط والجنوب عند مستوى متدن، وبالاضافة الى الثراء المدني الاداري والاقتصادي العراقي الا انهم في وضع لايحسد عليه، وعلى هذا الاعتبار فان الاستنجاد ببغداد من سلطة الاقليم خطأ قاتل لان ( لو كان الاقرع معالجا لعالج قرعته ) ولكن مع ذلك من الممكن الاّ ينظر الرأي العام الى الوضع من هذا المنظور بسبب امتعاضهم من القوى المتنفذة وحالة اللاعدالة والتمييز الحزبي الذي يشعرون به، ولاسيما الشباب والفتية والفئات الفقيرة والموظفين والمتقاعدين وهذا يشير الى خطر حقيقي داهم وتغيير دراماتيكي كامل في الرؤية العامة لمصطلح النضال القومي الكوري الذي اريق لاجله نهر من الدماء وتفجرت له انتفاضات وثورات خلال قرون.
لابد في ظل هذا الوضع الجديد لكوردستان من اجراء تغييرات جوهرية وشاملة لاسيما في المجال الاقتصادي والاداري والامني تعيد الثقة المفقودة. وفي هذا الصدد يجب اتخاذ الاستعدادات لاجراء الانتخابات المقبلة وتهيئة الارضية لعملية شفافة ونزيهة، ويعد تشريع قانون جديد للانتخابات من قبل برلمان كوردستان يحظى برضا الناخبين من اولى الاولويات بشكل يضمن حماية الاقليم والمكتسبات والسم الاهلي.
وبهذه المناسبة ايضا لربما كانت احدى الخطوات الضرورية اجراء تغييرات جذية ونوعية في تشكيل حكومة الاقليم المقبلة، خاصة ادارة ملف الطاقة والثروات الطبيعية والذي من الضروري ان تكون مؤسساتيا ووطنيا وان توضع في اطار تتوافق وتتلائم مع مصالح الاقليم وتنسجم مع الدستور العراقي.
وفي نهاية المطاف، بامكاني القول ان كوردستان تواجه مصيرا مجهولا، وباتت واقعة بين المكتسبات والمخاطر الحقيقية، ولهذا صار تمتين تجربة الاقليم من الداخل، استنادا الى موافقة الشعب ورضاه واسترجاع دعمه امرا ملحا ومهما، وباستثناء هذا الطريق الحيوي، ليس امامنا اي بديل، لانه من دون دعم الشعب وتقوية الخبرات عبر اصلاحات حقيقية وحوار عقلاني واتفاق متوازن وثابت مع بغداد في نهاية الامر، ليس بوسعنا تجاوز الازمات وسيضعف موقعنا ومكانتنا في كوردستان والعراق والمنطقة والعالم.