الكاتب..عبد الكريم عبد الله
يعدّ الأمن الغذائي واحدًا من أهم مرتكزات الأمن المجتمعي، إلى جانب أمن المواطن وحمايته من المخاطر التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، في جميع المجتمعات على حد سواء. فالأمن الشخصي، والحماية من السرقات، والمخدرات، والآفات، كلها تشكل جزءًا من الأمن المجتمعي، سواء كان للجيل الحالي أو للأجيال المقبلة.
إن المتابع لوضع الأمن الغذائي في المجتمع العراقي منذ سقوط النظام السابق في عام 2003 وحتى يومنا هذا، يلاحظ الوضع الخطير الذي تعرض له المواطن العراقي بسبب تأثيرات ذلك على الصحة والبيئة نتيجة نقص الحاجات الغذائية. وإذا ألقينا نظرة سريعة على هذا الموضوع، نلاحظ أن العراق والمنطقة قد تعرضا لتغيرات مناخية كبيرة، إضافة إلى موجات الجفاف المستمرة، وشحّ مياه نهري دجلة والفرات، وما رافق ذلك من تجاوزات دول الجوار على حصص العراق المائية في النهرين.
لقد أدت هذه الظروف إلى شحّ وهدر في ثروات العراق، مثلما حدث في جفاف الأهوار الذي أدى إلى هلاك عشرات الآلاف من رؤوس الجاموس في مناطق تربية هذه الحيوانات في محافظات الناصرية والبصرة والموصل وديالى، ما أثر على إنتاج اللحوم والألبان. كما تعرضت الثروة السمكية في الأهوار إلى الشحّ، حيث انخفض الإنتاج اليومي من 100 طن إلى 8 أطنان.
وبالإضافة إلى ذلك، وبسبب شحّ المياه والزيادة السكانية، تم تجريف عشرات الآلاف من الدونمات من بساتين النخيل والمناطق الخضراء. كما أدت الزيادة غير المدروسة في أعداد السيارات إلى زيادة نسبة الكربون في الجو، مضافًا إليها التجاوزات على أراضي البوادي غير الاقتصادية، والتي تم توزيعها على الشركات المتنفذة، ما أدى إلى زيادة نسبة العواصف الترابية، مما أثر سلبًا على البيئة.
كما هاجر مربو الأغنام إلى دول الجوار مع مواشيهم، مما أثّر أيضًا على إنتاج اللحوم. ومع ما سبق، انتشرت أمراض مثل الربو وأمراض الرئة والسرطان. فقد تم تسجيل آلاف الحالات التي تم إدخالها إلى مستشفيات البصرة والناصرية والعمارة وبقية المحافظات.
أما على الصعيد المجتمعي، فقد تسببت هذه الظروف في هجرة عشرات الآلاف من العوائل من الريف بشكل عام، والأهوار بشكل خاص، إلى المدن، حيث سكنوا في العشوائيات، مما أدى إلى ظهور العديد من المشاكل المجتمعية. وقد دفع هذا البعض من أعضاء مجالس المحافظات إلى رفض دخولهم إلى محافظاتهم من خلال وضع بعض التشريعات المحلية، وكأنهم نازحون من خارج الوطن.
وفيما يتعلق بالمنتجات الزراعية النباتية والحيوانية التي تحقق الاكتفاء الذاتي مثل منتجات الألبان والطماطم والمعجون والتمور والحنطة، فقد أدى فتح الأسواق والحدود دون وضع ضوابط جمركية لاستيرادها، وغياب الرقابة عليها، والفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، إلى تدهور الإنتاج المحلي، مما تسبب في خسائر للفلاحين والمنتجين العراقيين وأدى إلى انتشار الأمراض في الثروة الحيوانية.إن هذه الصورة القاتمة لما يتعرض له الأمن الغذائي في العراق تتطلب وضع استراتيجية شاملة لمعالجته، وتتمثل في:
التأسيس لهيئة عليا لرسم السياسات الزراعية والريفية تضم المتخصصين من الوزارات المعنية الزراعة، والموارد المائية، والبيئة، بالإضافة إلى الكليات الزراعية والبيطرية، واتحاد الجمعيات الفلاحية، ونقابة المهندسين الزراعيين.
وضع خطط زراعية على المدى الطويل لا تقل مدتها عن خمس سنوات، نظرًا لطول الدورة الاقتصادية في القطاع الزراعي.
معالجة موضوع المياه لنهري دجلة والفرات مع دول الجوار إقليميًا ودوليًا، واستخدام كافة أشكال الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، معتمدين على الاتفاقيات الإقليمية والدولية.
إيقاف التجاوزات على البوادي العراقية وعدم السماح بالتعاقد عليها لأغراض الزراعة، وجعلها حصريًا للرعي فقط.
إنفاذ القوانين والتشريعات المتعلقة بمنع تجريف الأراضي الزراعية وبساتين النخيل ومناطق الغابات.
تنفيذ القوانين الخاصة بالمنافذ الحدودية ومنع الاستيراد العشوائي للثروة الحيوانية والبذور والأسمدة دون رقابة، مع تطبيق قانون المحاجر الزراعية في كافة المنافذ الحدودية ومراقبة الأسواق المحلية من قبل لجان متخصصة ذات كفاءة.
معالجة موضوع الهجرة من الريف إلى المدينة بشكل علمي يحمي حقوق النازحين.
التفكير الجدي في زيادة موازنة القطاع الزراعي.
إعادة العمل بالمبادرة الزراعية على أسس جديدة تحمي حقوق الفلاح والمزارع والدولة.
المصدر : طريق الشعب