تغطية: علاء رمضان – حلبجة.. إعداد: كديانو عليكو
في ليلة 16-17 آذار(مارس) 1988، ارتكب النظام الديكتاتوري البعثي البائد أبشع جريمة ضد الإنسانية، ارتكبها وهي جريمة قصف مدينة حلبجة الكردستانية بالسلاح الكيمياوي والتي راح ضحيتها أكثر من 5000 من الأكراد العراقيين من أهالي المدينة، أغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ.
كما وأصيب ما بين 7000-10000 أغلبهم من المدنيين، مات منهم آلاف من المصابين في السنة التي تلت الهجوم نتيجة المضاعفات الصحية وبسبب الأمراض والعيوب الخلقية. ولا شك أنها جريمة إبادة جماعية وعنصرية بكل معنى الكلمة وبشهادات منظمات حقوق الإنسان في العالم.
وتسرد ثلاث نساء ناجيات من القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة قصصهن منذ بدء القصف وحتى نجاتهن من الموت المحقق بسبب الغازات الكيمياوية السامة التي قتلت الاطفال والنساء والشيوخ والاشجار.
تقول طليعة محمد من أهالي قرية ( شيره مه ر) للمسرى: “بيت أبي كانوا يسكنون قرية ( شيرة مه ر) قبل الهجوم بالسلاح الكيمياوي، ثم انتقلوا إلى مدينة خورمال قبل أن ينزحوا إلى الحدود الإيرانية العراقية ، قبل القصف بأيام عائلتي كانوا في زيارة إلى ناحية سيروان ، و قبل الهجوم بالقنابل بساعات، انتقلت عائلتي إلى حلبجة، انتقالهم كان قبل غروب الشمس” .
واضافت، “بعد أن حصل القصف سئلت شاهد عيان: هل رأيت عائلتي تخرج من حلبجة، قال ليَّ إن عائلتي خرجت من حلبجة قبل القصف الكيمياوي بنصف ساعة ، متجهين إلى قرية قليج ، ولكن مع الأسف الطائرات قصفت مكانهم بالسلاح الكيمياوي ، لكن لم نعثر على جثثهم طول تلك المدة ، كانوا مفقودين ، وحاولت أن أجدهم واستفسر عن مكانهم وماذا حل بهم، ذهبت إلى لأستفسر عنهم ولكن دون جدوى، فكنت أسأل كل الأشخاص العائدين من المأساة ولكن لم أحصل على جواب” .
واردفت، انه “في يوم من الأيام عام ٢٠٠٦ كانت البلدية تعمل على تبليط أحد الشوارع، وأثناء الحفر عثروا على جثث عائلتي ، أحد أقاربي كان يعمل في ذلك المشروع وتعرف على الرفاة عن طريق هوياتهم، عثرنا على جثثهم بعد ١٦سنة من القصف الكيمياوي”.
واكدت طليعة، “عدد أفراد عائلتي كان ١١ شخصا 4 رجال و3 نساء والباقي أطفال أخي 3 بنات وولد واحد ، كلهم قتلوا في القصف الكيمياوي، هذا بالإضافة إلى مقتل 6 من أبناء أخواتي و4 أشخاص من بيت أخوالي كلهم كانوا مدفونين في مقبرة جماعية واحدة “.
من جانبها تقول الناجية الوحيدة من عائلتها في الهجوم الكيمياوي خانم احمد للمسرى: “كنت أبلغ من العمر تسعة عشر عاما أثناء قصفنا بالكيمياوي مع والدتي وخمس شقيقات”.
واضافت، “توفي والدي قبل القصف بثلاث سنوات وبقينا نحن ووالدتنا”.
وبينت، “كان هناك قصف قبل أيام من قصف حلبجة بالكيمياوي، وكان الناس يعرفون بان القصف سيكون كيمياويا. كنا نختبئ تحت الارض والخروج، إلا ان الطريق الى السليمانية كان مغلقا امامنا، وكنا نختبئ تحت الارض حتى أوقات العصر في ظل قصف مستمر، كنا نخرج من المنزل ونعود اليه”.
وقالت: “خرجت امرأة من منزلها ودخلت منزلا آخرا لارضاع طفلهم، ثم صرخت بأعلى صوتها مرددة (كيمياوي.. كيمياوي)، ثم سقطت المراة وبعدها قمنا بالفرار جميعا”.
“بقي في المنازل فقط كبار السن ولم يهربوا”.
“ذهبنا الى منزلنا الذي يبعُد شارعا عن المنزل الذي كنا فيه، وكانوا اقرباءَ لنا”.
واوضحت، “اثناء ذهابنا، سقطت والدتي وركضتْ شقيقاتي الى حوش منزلنا وقلت (بلِّلوا انفسكن)، وفي الوقت نفسه كان خالي قد زارنا قبل القصف بايام من السليمانية وسمِع بأنه سيكون هناك قصف لحلبجة، ثم تم اغلاق الطريق ولم نتمكن من الذهاب مع خالي الى السليمانية وبقي عندنا”.
واشارت الى انه “عندما خرجنا من المنزل سقطتْ والدتي وكان لدينا طفلة بعمر الخامسة كانت تدعى ژيان كان يحتضنها خالي وقال بإنه مُتعبٌ جدا وقالت لي والدتي بأن امسك بيد خالها واخذه الى الجامع كان بالقرب منا، إلا انه لم يكن فيه حوض مياه، فذهبنا الى جامع بالسوق ووضع نفسه في الحوض، لأن المياه جيدة في مثل هكذا احوال”.
واردفت، “سَلَّم خالي شقيقتي الصغرى الى شقيقتي الثانية التي قامت بحملها وقمتُ بمسك يد خالي، ثم انفصلنا عن بعضنا، كان هناك سوق يدعى آنذاك ميدان بيع الثيران”.
“رأيتُ العديد من الناس وكان هناك نفق كبير تحت الارض للاختباء. كان الناس يركضون ويصرخون ويأخذون الماء وسقط خالي ومات وبدأتُ بالبكاء وغبتْ عن الوعي واستيقظت بعد يومين من القصف الكيمياوي”.
“كنت بالقرب من منزلنا عند محل فلتر الشيخ محمد للسيارات”.
“قال بعد ذلك ابن عم والدتي بان خالها على قيد الحياة (مات قبل عدة سنوات) بعد القصف، واثناء سقوطي وغيابي عن الوعي قام باخذه الى منزلنا.”
“وبعد سماعي بالخبر، شاهدتُ يوما جديدا برتقاليا قمتُ بالبكاء وطلبتُ بطانية وكان نظري ضعيف جدا”.
وقالت خانم: “رأيت رجلا قادما، قلت له أرجوك ايها الخال خذني الى منزلنا وكنت خائفة جدا من البيشمركة، بل أقول انني كنت خائفة من الجبال”.
“قال وهو من البيشمركة: ماذا تفعلين هنا لوحدك. قلت له: لا اعرف ايها الخال العزيز. خذني الى منزلنا، ثم قال لي: ادخلي الى هذا النفق. لدي عمل. سأذهب.”
“كان الناس بالكاد يسمعون اصوات بعضهم من داخل النفق. بقيتُ جالسة ولم أدخل النفق وكان نظري ضعيف جدا”.
“جاء رجل ورحل، ثم جاء آخر مسن، قلت له ايها الخال خذني الى منزلنا. قال لي: اين منزلكم؟ قلت له بالقرب من جامع الغزالي. قال: انا ذاهب الى الاسفل، تعالي معي”، أمسكتُ به حتى وصلنا عند تمثال (عمر خاور). ذهب الرجل الى الاسفل، وانا قمت بالركض قرب مركز للاتحاد الوطني نحو منزلنا.”
واضافت، “المنزل الذي كنا عند أهله كان كبيرا جدا، وكنتُ خائفة من الذهاب الى شارعنا، وقبل الوصول الى الباب رأيت الاطفال عند الباب”.
“ركضتُ وقلت: كاك نجم الدين اين والدتي وشقيقاتي؟ قال: تعالي تعالي.. أين كنتِ منذ يومين. قلت: لا اعرف.. سقطتُ. قال اركضي وادخلي الى الاسفل عند أمي وشقيقاتي، وقال إن والدتك ذهبت الى جدها، ثم ركضتُ اليهم ولم اذهب الى منزلنا. كنتُ خائفة جداً.. كنتُ اعتقد بانه سيكونُ مليئا بالبيشمركة، لانه قبل يومين او ثلاثة قبل القصف الكيمياوي كانوا يوزعون البيشمركة على المنازل”.
“بقيتُ عندهم حتى حدود الساعة التاسعة صباحا. دخلتُ النفق تحت الارض، وكان هناك العديد من الناس من المسنين وغيرهم، لم يخرجوا من النفق وبقوا على قيد الحياة، إلا ان والدهم مات مع شاب جميل كان قد عاد حديثا من جامعة بغداد وكانوا حزينون جدا”.
وتضيف، “ثم بعد ذلك جاء حراسٌ اخبرونا بانه لا يجوز ان يَبقى أحدٌ هنا وعلى الجميع التوجه الى ايران، وكانت لتلك العائلة اقارب في البيشمركة، وأخبر احدهم والدته وشقيقاته بالذهاب وانه سيبقى هنا لحماية المنزل”.
” إذهبوا أنتم وخذوا معكم هذه السيدة. أخذوني معهم بسيارات جيب عسكرية الى احمد آوا وتلقيتُ هناك تلقيحاً ببعض الإبر ثم تعافيت قليلا بعد مدة واستعدْتُ نظري قليلا”.
“وقالت لي الجدة (خجي) رحمها الله والتي ذهبت معهم آنذاك: (هذه والدتك)، ثم رأيت والدتي جالسة بقربنا وركضت إلى خضنها، وقلت لها اين البقية، ثم أشارت بيدها وكانها تقول لا اعرف، لانها كانت أبكم ولا تستطيع الكلاب، كانت تؤشر بيديها فقط”.
وبينت خانم احمد، “عاد اقاربٌ للجدة (خجي) وقالوا لهم بانهم سيقومون بايصالهم الى ايران عن طريق الجبال سيراً على الاقدام. وقال احد اقارب (خجي): هل ستذهبين معنا أم تبقين مع والدتك، لانها لا تستطيع السير؟.
كان المكان الذي أخذونا إليه واسع جدا، مثلَ هيكلٍ كبير، مكتظ بالناس مليئ بالمرضى. قلت لن أذهب معكم وسأبقى مع والدتي”.
“هم ذهبوا. كانت والدتي في ذلك اليوم غائبة عن الوعي. كانت تقول إنها تشعر بالبرد. قلت لأحد البيشمركة إن والدتي تشعر بالبرد، فقام بخلع جواربه وألبسها برجل والدتي وقام بإعطائها بطانية وبقينا هناك حتى المساء”.
تقول: “قضيتُ تلك الليلة بالنوم مع والدتي وكانت مياه النبع تسيل من الاعلى. كان الامرُ مخيفٌ جدا وكان على والدتي ان تذهب الى المياه. أمسكتْ بيدي وقالت علينا الذهاب. لم اكن أعرف ماذا اقول”.
“كانت صحة والدتي سيئة عندما استيقظتُ في الصباح. كادتْ ان تَسقُطَ في المياه. ركضتُ. قالت لي إمرأة: يا ابنتي لماذا لا تتكلمين.. ألا ترين ان والدتك متعبة جدا.. يقومون من هناك باخذ الناس الى ايران”.
” أُركضي الى الحرس والبيشمركة وقولي لهم بان يأخذوا والدتك ايضا.. فذهبتُ إليهم وقلت لهم إن والدتي متعبة جدا.. فقاموا بوضع قناع على رأس والدتي وقام الحراس والبيشمركة باحتضاني وعبر المياه الى الطرف الاخر واخذونا الى مكان مخضر بالعشب.”
“من هناك، جاءت طائرة هيليكوبتر. قام البيشمركة بحملي ووالدتي الى الطائرة وأُناسٍ آخرين ايضا الى ايران، ومن هناك اخذونا الى احد المستشفيات، وقاموا بإسعاف والدتي الى مستشفى آخر كانت تدعى (صلّاوة) واخذوني الى مستشفى تدعى (سنة) وعندما استيقظتُ في الصباح كانت والدتي قد توفيتْ”.
“قلتُ أين والدتي؟ كان الاطباء يقولون بإنهم اخذوها الى مستشفى آخر. كانوا يعطونني أشياء وجلستُ على السرير، ثم رأيت إمرأة خلفي قالت لي: هل كانت تلك المرأة التي توفيت الليلة الماضية والدتك؟؟!!..”.
” ثم صرخت داخل المستشفى وبكيتُ وكان هناك غضب داخل المستشفى على المرأة التي أخبرتني بوفاة والدتي، ثم جلستُ بعد ذلك”.
“سمعتُ صوت السيدة جارتنا (خجي) التي كنت معهم. كانت تتحدث مع آخرين. كانت المستشفى عبارة عن قاعة كبيرة… ركضتُ.. وجدْتُهم.. “
“قلت والله هذه سيدة (خجي).. قالت لي: عزيزتي!! متى جئتم.. أين والدتك؟ قلتُ لها إن والدتي مفقودة.. قالت: لا بأس.. ربما أخذوها الى مستشفى آخر..”
بقيتُ معهم وبعد مدة قصيرة جاء الاطباء لمعالجتهم.. ثم قالوا بإنه على الناس الخروج الى الخارج لأن الباصات تنتظرهم.. فقلتُ للسيدة خجي بالله عليك خذيني الى منزلكم.. لا اعرفُ احدا.. “
“فقالت سآخذك، لكن يجب ان يكونوا على علمٍ بذلك، لنرَ ماذا يقولون. فقلت لن يسمحوا بذلك. قمتُ بالاختباء داخل لباس السيدة (خجي) داخل الباص.. المهم في النهاية أخذتني معهم”.
“اخذوني الى منزلهم وبقيتُ لفترة عندهم.. كانت والدتي متوفية في ذلك المستشفى.. واخبروني بوفاة جميع شقيقاتي.. ثم جاء الخال ليس الذي كنتُ معه، بل واحد آخر الى منزلهم.”
“قالي لي: إنه ذهبَ الى منزلنا بعد ثمانِ سنواتٍ وقام بتشييع ثلاثاً من شقيقاتي كُنَّ متوفاة داخل حوش المنزل وان اثنتين من شقيقاتي مفقودتان حتى الان.. شقيقتي الثانية كانت آنذاك في المرحلة الخامسة من الثانوية والاخرى هي الصغرى التي لا تزال مفقودة.. كُنَّ جميعهن كبارا”.
“بقينا ما يقارب شهرين او ثلاثة في منزل السيدة (خجي)، ثم جاء إلينا بعد ذلك خالي وابن عم والدتي وابن عمي واخذوني الى منزلهم واخذوني بعد ذلك الى منزل جدي وجدتي وعم والدتي واولاد عمومتي”.
واضافت، “بقيتُ عندهم حتى عودتنا من ايران والاستقرار في باينجان التي كان فيها ابن خالتي الذي جاء إلي وبقيتُ عندهم عدة سنوات، في منزل خالتي وبعد ذلك في بيت جدي وجدتي وعم والدتي، ثم تزوجتُ في بيت عم والدتي ولدي الان اربعة اطفال وزوج”.
“بعد عدة سنوات توفي خالي متأثرا باصابته بالاسلحة الكيمياوية، وتوفيت والدتني وخمس شقيقات. من جهة والدتي لم يَتَوَفَّ الكثير ولم يمتْ أحد من طرف والدي، فقط توفوا من عائلتي”.
“قالوا: إن احدى معارفنا منزلُها في (سنه) يقومون بزيارة مقبرة بين الحين والاخر اسمها (بهشت محمدي) ولم اقم حتى الان بزيارة المقبرة وأريد زيارة قبر والدتي.. لا أجده.. لا اعرف كم عدد المقابر هناك.”.
” قال احد معارفي إن المقبرة اسمها (بهشت محمدي) في (سنه) وأن والد زوجته توفي وان هناك بعض المقابر مكتوب على إحداها (مقابر الاسلحة الكيمياوية سنةَ كذا..)”.
” وكان بين القبور قبرُ والدتكِ ومكتوب عليه اسمها وهو مَلَك سعيد رشيد، كان هذا اسمها في الهوية فقط، بل كان اسمها مليحة.. كانوا يدعونها مليحة.. استُشهدت والدتي هناك ولا يوجد قبور لشقيقتين لي”..
كانوا كبارا. الصغرى كانت تبلغ خمس سنوات والتي كانت تحتضن شقيقتي آنذلك كانت في المرحلة الخامسة من الثانوية ولم تكن طفلة والثلاث الاخريات أيضاً”.
“قال خالي: انهم قاموا بتشييعهن في (كولان). بعد القصف الكيمياوي وحتى العديد من السنوات كنتُ دائما أفكر بشقيقاتي.. شقيقتي التي ليس لها قبر كانت هي فقط اكبرُ مني سناً.”
“كنتُ آنذا ابلغ من العمر تسع سنوات في المرحلة الرابعة ابتدائي وكانت هي في المرحلة الخامسة من الثانوية”.
“كان لدي أمل بشقيقتي الصغرى التي تبلغ من العمر خمس سنوات.. اقول أحيانا بإن اسمها كان (ژيان).. اقول في نفسي إنه ربما تكونُ على قيد الحياة..”
” لكن قال خالي: إنه قام بتشييعهن وتوفيت والدتي ايضا في ايران، إلا ان لدي أمل احيانا بان شقيقتي الصغرى على قيد الحياة والتي تدعى (ژيان)”.
وقالت خانم: “انا مصابة بالاسلحة الكيمياوية، لكن لم يتم وصفي رسمياً بذلك.. كنتُ لمدة ثلاثة ايام في منطقة فَلْتَرة السيارات بحلبجة، أُصبتُ بعد القصف الكيمياوي بضَعف في جسمي وضيق التنفس وضَعفٍ في البصر على مراحل بسبب الاسلحة الكيمياوية وتم حتى الان اجراء عمليتين جراحيتين لكلتا عينيَّ”.
“أمرٌ مفزع وحزين بالنسبة لي.. لا أُمّ ولا أخت ولا أخ ولا أب ولا جد ولا خال ولا عم.. ليس لي أحد.. انا واطفالي الاربعة.. لكني اشكر الله وسعيدة بوجودهم.”
سووران حمه فرج مسؤولة مركز حلبجة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وإحدى المصابات في عام 1988 بالأسلحة الكيماوية، تسرد قصتها للمسرى قاءلة: “كنت في داخل المأساة التي وقعت في الـ16 من آذار عام 1988 ، وانهيت دراستي في فترة الحرب العراقية الإيرانية ومارافقها من تداعيات سلبية على المدينة ، أتذكر أنني انهيت دراستي الابتدائية ومن ثم المتوسطة وكذلك معهد المعلمات وأزيز الرصاص والقنابل فوق رؤوسنا وعلى مسامعنا دائما “.
واضافت، “تركت فترة الحرب علينا نحن وكل أصدقائي وزملائي والناس هنا في حلبجة تداعليات سلبية كبيرة ، مثلا أنا عن نفسي لولا الحرب لكنت الآن أكملت مراحل متقدمة جدا من التحصيل الدراسي ، ولكن مع الأسف ذلك الكم الهائل من الضغوطات النفسية والاجتماعية التي مرت علينا أثناء فترة الحرب في تلك الحقبة لم تدعنا نحقق طموحنا، إنما اكتفينا بالتعلم وحصد شهادة معينة في مجال ما لنعمل أو نتعين في القطاع الحكومي” .
“أنا حاصلة على شهادة دبلوم من معهد المعلمات، وفي سنة تخرجي الثانية وقعت فاجعة القصف الكيمياوي على حلبجة ، وبعدها بدأت مرحلة الترحال التنقل من مكان لآخر” .
“واليوم تمر علينا الذكرى السابعة والثلاثين لقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية ولحد الآن الكثير من عائلتي وأقاربي ومعارفي استشهدوا خلال القصف أو ماتوا لاحقا بسبب تأثيرات الغازات الكيمياوية والمحرمة دوليا على أجسادهم والآثار التي ظهرت على جهازهم التنفسي في السنوات اللاحقة كانت سببا لوفاتهم، وحتى الآن هناك أناس وأنا واحدة منهم نعاني من آثار الغازات الكيمياوية ، وكذلك الحالة النفسية الصعبة التي نعيشها والتي نراها أصعب بكثير من الحالة الصحية”.
وقالت حمه فرج: “قد لا يصدقني البعض، لحد الآن أسمع أصوات القنابل والنابالم في أذني، وأحيانا أفكر لو ان التكنلوجيا كانت متطورة أكثر وتستطيع أن تستخرج من رأسي تلك الصورة والأصوات التي تعود إلى تلك الحقبة ليرها كل الناس” .
“نحن المصابين بالأسحلة الكيمياوية وبكل أنواع الأمراض التي أصابتنا بعد التعرض للكيمياوي، نعاني يوميا مشاكل كثيرة منها متعلقة بالتنفس ومنها نفسية ومنها بتر أعضاء ومنها جلدية ، أنا عن نفسي أعاني مشاكل جلدية ولحد الآن آثارها محفورة على جسدي ، هذا غير أن عندي مشاكل في الرئة ، حيث أن السيانيد ترك آثارا خطيرة على أجسادنا ورئاتنا، لذلك أنا آتي يوميا إلى هذه الحديقة لأشتم هواءا نقيا صافيا ، لأني لا أحصل على هذا الأكسجين الموجود هنا هنا في مركز المدينة وغيرها من أحياء حلبجة ، بصراحة رئتيَّ تعمل هنا افضل من المدينة أستطيع ان اتنفس هنا في الحديقة بيسر وسهولة مقارنة بداخل المدينة “.
واكدت “ن مشاكل التعرض للاسلحة الكيمياوية أني لا استطيع ان أسير ( أمشي ) مثل الشخص العادي لمسافات رغم أن الأشعة والفحص أظهرتا أن رئتي لا بأس بهما وتعملان جيدا، ولكن تأثيرات الكيمياوي أثرت عليهما” .”ومن الناحية الجسدية، تلك المناطق من جسدي التي احترقت بالقصف الكيمياوي لا تزال آثارها باقية وتركت على جسدي عدة بقع ، واحيانا كثير وغالبا في الأشهر الحارة من السنة يحصل هيجان وحكة في تلك البقع” .
“من الناحية الإنسانية لا ننكر أن الجهات المعنية التفتت إلينا وقدمت لنا ما نريد من خدمات وعلاجات، ولكن ما تم تقديمة لا يرتقي لحجم الكارثة والمأساة التي لحقت بأبناء مدينة حلبجة، نحتاج إلى المزيد لأن معاناتنا وآلامنا كثيرة، وبدليل أنه بعد أكثر من 37 عاما على قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية ولحد اليوم لا نزال تعاني من أمراض وتداعيات ذلك القصف، ونحن نعي أن إقليم كردستان يمر بظروف سياسية واقتصادية صعبة، والمشاكل الاقتصادية التي مر بها الإقليم وغياب الميزانية خلال هذه السنوات كلها تركث آثارا سلبية على مواطني حلبجة، وبالتالي قل الاهتمام الحكومي بحلبجة وأبنائها ومتابعة معاناتهم وتلبية طلباتهم”