في السادس عشر من مارس، كان السماء يصرخ بأوجاعه والأرض ترتجف تحت وطأة الألم، حينما كانت حلبجة تكتب فاجعتها بدماء الأبرياء الذين لم يعرفوا ذنبًا سوى أنهم كانوا يعيشون في مكان طالما ضمهم بحنان. لكن تلك السماء التي كانت تحمل الرياح الباردة والجميلة، حملت في ذلك اليوم رائحة الموت، فاختلطت البراءة بالعذاب، والآمال بالكوارث.
حلبجة، تلك المدينة التي كانت تزهو بألوان الحياة وأصوات الأطفال، شهدت على واحدة من أفظع الجرائم ضد الإنسانية، حيث اخترقت السماء سحابة من الغاز السام الذي أغشى العيون وأطفأ الأنفاس، وبدون رحمة، زُرع الموت في قلوب سكانها. كانت الساعة أوقاتًا قاتلة، كانت وجوههم مغطاة برعب لم يعرف له مثيل، والدماء تلطخ الأرض التي كانت يومًا مأوى للأحلام والابتسامات.
تظل ذكرى حلبجة حية في وجداننا، تذكرنا بالدماء الطاهرة التي سالت على أرضها، وتدفعنا لنظل على يقظة أمام تلك الجرائم التي لا يمكن أن تمحوها الأيام. إنها جرح لا يندمل، ووجع لا يغيب، لأنها كانت جريمة ضد الإنسان، ضد البراءة، ضد الحياة نفسها.
إن ذكرى حلبجة ليست مجرد ذكرى حرب أو تفجير، بل هي درس لنا في الإنسانية، في الذاكرة التي لا يمكن أن تموت رغم مرور الزمن. هي صرخة في وجه الظلم، وصورة لكل من يظن أن العنف سيحل الأزمات، وكل من يظن أن الإنسان يمكن أن يُستباح.
حلبجة، اليوم وكل يوم، جرح لاينسى، وما زال فينا صوتها الحزين يردد: “لن ننسى”.