أ.م.د. ژینۆعبدالله- جامعة السليمانية
حين يُذكر شهر آذار في نضال كوردستان العراق، تتداعي في الأذهان مشاهد الألم، ويعود التاريخ إلي الوراء ليستحضر واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية. في الذكري السابعة والثلاثين لقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية، يعود السؤال ذاته: كيف نوثّق هذه المأساة؟ وكيف نحفظها من النسيان؟
يبرز كتابٌ وحيد، نادرٌ في محتواه، شاملٌ في معلوماته، غنيٌّ بوثائقه، يجمع بين التوثيق الدقيق والشهادة الحية. إنه كتاب “مأساة قصف الكيمياوي لحلبجة في ربيع 1988″، للكاتب الشهيد شوكت حاجي مشير، أحد القيادات البارزة في الاتحاد الوطني الكردستاني.
هذا الكتاب، الصادر عن مؤسسة خاك في السليمانية عام 1998، والممتد علي 210 صفحات، ليس مجرد سردٍ تاريخي، بل شهادة من رجلٍ كان شاهدًا علي المأساة، مدركًا تفاصيل المدينة، وجغرافيتها، ونسيجها الاجتماعي، وحراكها السياسي.
ما يميّز هذا الكتاب أنه ليس مجرد وثيقة مؤرشفَة في زوايا المكتبات، بل هو مرجعٌ متكامل، يتناول مدينة حلبجة من مختلف جوانبها، قبل أن تتحول إلي رمادٍ بفعل القصف. فهو يعرض تفاصيل الحياة اليومية، من الأسواق إلي المدارس، ومن السياسة إلي الاقتصاد، وكأن الكاتب كان يسابق الزمن لتدوين ملامح مدينةٍ قُدِّر لها أن تكون شاهدًا علي وحشية الحرب.
ورغم مرور 37 عامًا علي المأساة، لا يزال هذا الكتاب المرجع الأشمل عن القصف الكيماوي، بشهادة كثيرٍ من الباحثين، وعلي رأسهم الراحل نوشيروان مصطفي، الأكاديمي والسياسي البارز، الذي أقرّ بأهمية هذا العمل الوثائقي في فهم ما جري في حلبجة.
إن الحديث عن حلبجة لا ينبغي أن يقتصر علي الألم فقط، بل علي الدروس المستخلصة. فالكوارث الكبري لا تُدرّس بالبكاء عليها، بل بتحويلها إلي شهادات تحفظ الحقيقة من التحريف والضياع. إننا بحاجة إلي مزيدٍ من الكتب التي تشبه هذا العمل الوثائقي، لأن التاريخ يُكتب بالحبر، لا بالدموع.
أما أنا، فكل عام أعود لقراءة هذا الكتاب، ليس فقط لاسترجاع الحدث، ولكن لاستعادة الدرس، ذلك الدرس الذي يقول: الذاكرة التي لا تُدوَّن، تُمحي.