د. أمير حسين
أخيرا أظهر بوتين موافقته على وقف إطلاق النار، بعد اجتماعه مع مبعوث ترامب ، لإنهاء الحرب في أوكرانيا. هذا هو العنوان الرئيسي ، الذي تهتم به وسائل الإعلام حاليًا. الحرب المستمرة حتى الآن ، منذ حوالي ثلاث سنوات بين روسيا وأوكرانيا ، بدأت في 22 فبراير 2022، عندما أعلن بوتين عن عملية عسكرية محدودة ، ضد أوكرانيا ، والتي لا تزال الأوكرانيون يصفونها بالغزو الشامل .
قبل عودته إلى البيت الأبيض ، واصل ترامب التأكيد خلال حملته الانتخابية ، على أن مهمته الرئيسية ، هي إنهاء هذه الحرب . كما ادعى لو كنت في البيت الأبيض ، عام 2022، لما حدثت هذه الحرب المدمرة أبدًا. كل هذه الخسائر بالأرواح و دمار المدن ، ونزوح الملايين من المواطنين والمعاناة ، وتعميق الخلافات بين الدول ، والتهديدات للسلم العالمي، ومخاطر المواجهة بين القوى النووية ، وحتى التغيرات في الخريطة الجيوسياسية العالمية ، وظهور تحالفات دولية جديدة ، باللإضافة إلى كل هذه الأمور ، ولكن الأهم بالنسبة لترامب ، استعادة ( 350 ) مليار دولار، إلى الخزانة الفيدرالية الأمريكية ، التي تم إنفاقها لدعم أوكرانيا ، كما يدعي ، ويسعى إلى تحقيق ذلك ، من خلال اتفاقية المعادن مع زيلينسكي .
خلال الشهرين ، من فترة رئاسته تقريبًا ، بذل ترامب جهودًا عملية لإعادة إطلاق المفاوضات ، عبرالاتصالات الهاتفيّة المباشرە مع بوتين ، ثم عقد اجتماعات بين وزراء خارجية الطرفين في السعودية ، تلاها اجتماع وفد فني ، من كلا الجانبين في إسطنبول ، بهدف استئناف العلاقات الدبلوماسية ، كما عقد عدة اجتماعات ، مع قادة أوكرانيين وأوروبيين ، قبل أن يستقبل زيلينسكي ، في البيت الأبيض ، ويجري معها محادثات مشحونة ، ومكشوفة أمام العالم .
نتيجة للضغوط المختلفة ، التي مارسها ترامب ، خاصة على الأوكرانيين والأوروبيين ، عقد الأسبوع الماضي أول اجتماع بين وفد أمريكي وأوكراني ، في جدة السعودية . بعد المحادثات ، أعلن الجانبان في بيان مشترك ، حول رؤية مشتركة ، لوقف إطلاق النار، مؤكدين أنهم أقرب من أي وقت مضى ، إلى تحقيق السلام وإنهاء الحرب ألمستمرة حتى الأن .
بعد الإجتماع مباشرة ، الأوروبيون صراحوا بإن الكرة الآن في ملعب بوتين ، بينما يشكك الأوكرانيون ، أو بالأحرى ارادوا ان یشککوا، في صدق وجدية بوتين تجاه السلام ، محاولين تقليل من ضغوط ترامب عليهم ، لقبول شروط بوتين .
بعد ثلاث سنوات من الحرب ، و بالتحديد في ثلاثاء الاسبوع الماضى ، زار بوتين خطوط الجبهة ، في منطقة “كورسك”. هذه هي الزيارة الثانية له ، لخطوط الجبهة الأمامية ، خلال الحرب ، ولكن ما أثار انتباه العالم ، هو ظهوره بزي عسكري ، بينما يرتدِ زيلينسكي ، هذا الزي طوال فترة الحرب ، حتى بعض من المراقبين يعتقدون ، أن اصطدامه مع ترامب ، بهذا الشكل الغير مألوف ، في البيت الأبيض ، قد تكون مرتبطة بهذا الزي . حتى أنصار زيلينسكي ، يعلقون ساخرين من ما حدث : ” كانت صدام بين بدلة بدون إنسان وإنسان بدون بدلة “.
ظهور بوتين الزي العسكري ، يُعتبر من وجهة نظر الأوروبيين ، إشارة إلى نوع من التهديد ، مقابل جهود الدول الأوروبية. وفقًا لمتابعات الشبكة الإخبارية ( بلومبرغ ) ، فإن الأوروبيين ألأن ، في سباق مع الزمن ، لتشكيل (تحالف الراغبين، بين 37 دولة ) ، دول الاتحاد الأوروبي، ودول من اتحاد آسيا، وأستراليا، واليابان، ونيوزيلندا، وكندا ، وذلك لدعم موقف أوكرانيا ، على طاولة مفاوضات السلام ، ورفض تسليم أوكرانيا ، وفقًا لشروط بوتين . بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن يكون تحالف الراغبين ضامنًا لأمن أوكرانيا في المستقبل ، في حال نجاح عملية السلام .
و البعض الآخر، يُعتبر ظهور بوتين ، بالزي العسكري في ” كورسك ” ، وإعلانه عن قبول وقف إطلاق النار، بعد يومين فقط من هذه الزيارة ، إشارة من الجانب الروسي ، إلى أن بوتين غير راضٍ ويرفض ، النقاش حول ” كورسك “، وهي محافظة روسية ، على حدود خاركيف وسومي الأوكرانية ، في 6 أغسطس 2024، فاجأ الأوكرانيون الروس ، واستولوا على بلدة سوجي وأجزاء كبيرة من المنطقة . لغرض المقايضة ، بأراضي الأوكرانية التي تحتلها الروس ، خلال عملية المفاوضات.
إعلان وقف إطلاق النار، يأتي في وقت حقق فيه بوتين معظم أهدافه العسكرية في أوكرانيا ، ووضع أوروبا وحلف الناتو، أمام خيارين ، كلاهما مر ( إما أن يتراجعوا عن طموحاتهم ، في ضم أوكرانيا إلى الناتو ، أو يعيدوا تنظيم قواتهم ، في ظروف دولية صعبة ، على حساب اقتصاداتهم المنهكة و الضعيفة ).
بوتين، من جهته ، يشترط أن يكون السلام دائمًا وشاملًا ، وأن يتم اقتلاع أسباب الحرب من جذورها ، كما يسأل من سيراقب وقف إطلاق النار، على طول جبهة القتال البالغة 2000 كيلومتر ؟ لأنه سؤال مهم و تحتاج إلى الإجابة ، لافروف قال صراحتاً ، روسيا لن تقبل ، وجود اي قوات ، من الناتو ، تحت أي ظرف و مسمى في أوكرانيا .
في النهاية ، يبدو أن إصرار بوتين ، وضغوط ترامب ، وضعف الأوروبيين في هذا الوقت ، قد أجبر الأوكرانيين على القبول بسلام مرسوم بقوة ، من قبل بوتين .