سؤان الداوودي
في مسرح الحياة، يتأرجح الإنسان بين الانتماء والارتماء، بين أن يكون جزءًا من كيان يؤمن به ويدافع عنه، أو أن يلقي بنفسه في أحضان واقع يفرضه عليه الزمن. وكما في مسرحية “في انتظار غودو” لصموئيل بيكيت، قد نجد أنفسنا عالقين في حالة انتظار عبثية، نبحث عن مخلص أو إجابة لا تأتي، بينما يمر بنا الفرسان، بعضهم يحمل سيوفًا صدئة يظنونها ما زالت قادرة على القطع، وآخرون يأتون بألوان الاغتراب، يفرضون علينا واقعًا لم نختره ولكننا نجد أنفسنا مجبرين على التكيف معه.
تمر في حياتنا شخصيات تدعي أنها تحمل الحقيقة المطلقة، وأنها وحدها القادرة على التغيير. لكن عندما تدقق النظر، تجد أن سيوفهم قد صدئت، فقد أكلها الزمن ولم تعد تصلح للقتال أو الدفاع عن القيم التي يدّعون تمثيلها. هؤلاء هم من يعيشون في الماضي، متمسكين بشعارات فقدت معناها، يكررونها دون أن يدركوا أنها لم تعد فعالة. هم الذين يعتقدون أن الانتماء مجرد ترديد لكلمات، دون أن يكون هناك فعل حقيقي يعبر عنه.
على الجهة الأخرى، هناك من يأتونك بألوان الاغتراب، يغرقونك في ثقافة ليست لك، ويحاولون إقناعك بأن هويتك الأصلية لم تعد صالحة. يجعلك هؤلاء تشعر بأن انتماءك عبء، وأن النجاة تكمن في الذوبان داخل تيارات لا تمت لك بصلة. وهكذا، تتشابك أصابع يديك وتكسر بعضها البعض، وكأنك تدخل في صراع داخلي بين من أنت، ومن يُراد لك أن تكون.
تمامًا كما في المسرحية العبثية الشهيرة، يظل البعض منا ينتظر كودو، ذلك الشخص أو الحدث أو الخلاص الذي نظن أنه سيأتي لينهي معاناتنا. لكن “كودو” لا يأتي، وربما لن يأتي أبدًا. فنحن في دوامة، ننتظر شيئًا لا نعرف طبيعته، ونؤجل قراراتنا بانتظار معجزة قد لا تتحقق.
بين الانتماء والارتماء: طريق النجاة
الحل لا يكمن في التمسك الأعمى بالماضي، ولا في الارتماء الكامل في أحضان المجهول. بل في خلق انتماء واعٍ، متجدد، قائم على الفعل والتطور، لا على التقليد الأعمى أو الذوبان الكامل. علينا أن ندرك أن الانتماء ليس شعارًا، بل مسؤولية، وأن البحث عن الذات لا يجب أن يكون على حساب هويتنا.
في النهاية، من يظل ينتظر كودو، قد يبقى عالقًا في وهم الانتظار إلى الأبد، بينما العالم يمضي من حوله.