د. سمکو الشواني
في لحظةٍ من اللحظات المليئة بالعواطف، وقفتُ في مدينة دياربكر، شمال كوردستان، أراقب الشعب الكوردي وهو يحتفل بعيد نوروز. كانت الأجواء مملوءة بالحماسة والفرح، ولكن هناك شيئًا ما في عيون هؤلاء الناس جعلني أبكي. لم تكن دموعي بسبب الحزن، بل كانت نتيجة للمعاناة التي تحملها هذا الشعب الطيب طوال تاريخه، وها هو اليوم يحتفل بحرية بعيده، بالرغم من كل ما مر به من أوجاع.
عيد نوروز ليس مجرد احتفال بعام جديد أو فصل الربيع. إنه رمز للحرية، والتضحية، والصمود في وجه القهر. ومع ذلك، لم يكن الشعب الكوردي قادرًا على التعبير عن فرحته بهذا العيد إلا بعد سنوات من المعاناة. فقد تعرض للكثير من القمع والتهميش من السلطات التي كانت تسعى لإخماد أي مظاهر للاحتفال بهويتهم، ومنعهم من التعبير عن ثقافتهم وتاريخهم.
كان نوروز بالنسبة لهم أكثر من مجرد مهرجان. كان لحظة انتصار على الصعاب، ومؤشرًا على تمسكهم بالحياة وبحقوقهم المشروعة. وهذا ما جعلني أتأثر بشدة. تلك البهجة التي رأيتها في عيونهم لم تكن مجرد سعادة عابرة، بل كانت مزيجًا من الآمال والتضحيات، كانت تعبيرًا عن مقاومة طويلة وعميقة في مواجهة الظلم والاضطهاد.
في هذا اليوم، عمت الاحتفالات جميع أرجاء المدينة، وأضاءت الأنوار في الشوارع. كانت الأهازيج الكوردية تتردد في كل مكان، وأصبحت الألوان الزاهية تزين الأفق، كأنها تروي قصة شعب عانى لكن لا يزال يقف شامخًا. رأيت في وجوههم فرحة خالصة، ليس فقط لأنهم يستطيعون الاحتفال بنوروز، ولكن لأنهم يعيشون لحظة انتصار لثقافتهم وهويتهم.
ومع ذلك، كانت هناك لحظات من التردد في تلك الاحتفالات، تلك اللحظات التي تذكرهم بما عانوه في الماضي. لقد مروا بفترات من القمع والتدمير، وفقدوا الكثير من أحلامهم وأرواحهم في سبيل الحفاظ على كرامتهم. ومع كل احتفال، كان يبدو أن هناك ذكرى مؤلمة تكمن خلف تلك الضحكات الصادقة، كما لو أن الجراح القديمة لم تلتئم بعد.
لكن، رغم كل هذا، ما يميز الشعب الكوردي هو قوته، إرادته، وتصميمه على أن يعيش بحرية. كان نوروز بالنسبة لهم تعبيرًا عن عزيمتهم، عن رفضهم لأي محاولات لإخماد هويتهم أو تهميش وجودهم. كانت تلك اللحظة هي لحظة إعادة تأسيس الذات، وممارسة الحق في الفرح دون خوف أو قيد.
بكيت لأنني رأيت في عيونهم كل التضحيات التي قدموها، ورأيت في احتفالاتهم تلك الرمزية العميقة التي تحملها هذه المناسبة. بكيت لأنني أدركت أن الفرح الحقيقي يأتي بعد المعاناة، وأنه لا يمكن أن يُقهر شعبٌ يحمل في قلبه إرثًا طويلًا من النضال.
في النهاية، كان عيد نوروز في مدينة ديار بكر ليس مجرد احتفال فحسب، بل كان تجسيدًا لمقاومة شعبٍ حيّ، لا ينسى تاريخه ولا يتخلى عن حقوقه. لذلك، بكيت، لأن هذا الشعب يستحق أن يُحتفل به، وأن يُعترف به، وألا تُمحى فرحته بعد كل ما مر به من ألم.