د.إسماعيل برزنجي
من المعروف أن المنهج البنيوي في النقد الأدبي ظهر بعد اتساع رقعة الدراسات الوصفية للغة وتراجع المنهج المعياري وفقه اللغة التأريخي والمقارن، وعلى وجه التحديد بعد ظهور كتاب (علم اللغة العام) لفرديناند دي سوسير، ذلك الكتاب الذي أحدث ثورة في دراسة اللغة وأصبح مرجعاً للبنيويين اللغويين والأدبيين على السواء، وأهم شيء قام به سوسير هو أنه أعاد للغة اعتبارها ووفرّ للباحث أدوات التحليل والإجراء من اللغة نفسها، بعدما كان يستعير الباحث اللغوي والأدبي أدواته للتحليل من ميادين أخرى من علم النفس وعلم الإجتماع والتأريخ.
كان سوسير في دراسة اللغة يركز على العلاقات التي تربط بين العناصر المكوِّنة لها وعلى طبيعة العلاقة بين الدالِّ والمدلول، وكان يؤكد على أن العلامات اللغوية تكتسب دلالتها من خلال تآلفها مع عناصر لغوية أخرى في علاقة أفقية داخل التركيب وأخرى رأسية خارجه.
من هذا التوجه تبنّى البنيويون الأدبيون نظرتهم إلى النص الأدبي، واعتبروه بنية مكتفية بذاتها حيث لاتحتاج إلى أية مرجعية خارجية لتحديد المدلول، وأكدوا على أن الفضاء الدلالي يتشكل من خلال تحليل العلاقات بين العناصر المكوِنة للنص من دون الاستناد إلى من هو المؤلِّف؟ وفي أي عصر ألّفه؟ بهذا أعلنوا موت المؤلف وأسقطوا حركة التأريخ.
لكن المتمعن في نتاجات البنيويين الغربيين يجد أن هذه النظرة العمومية لا تجانب الصواب، لأن هناك من البنيويين – من أمثال (جورج لوكاش، لوسيان غولدمان وتيري إيجلتون) – من لا يؤمن بعزل النص الأدبي عن مرجعيات خارجة عنه، خاصة عن العصر الذي عاش فيه مؤلِّف النص وثقافة مجتمعه والقوى المتصارعة في المجتمع.
هؤلاء تحت تأثير الفكر الماركسي ربطوا بين الأدب كأحد مكونات البنية الفوقية والواقع الخارجي، واستعاروا هذا التفسير للنص من مقولات ماركس عن الفن، فالبنية الفوقية ((في مفهومه هي الأيديولوجيا والدين والسياسة والثقافة والقانون، أما البنية التحتية أو القاعدة فهي القوى الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات المتغيرة بينهما، من صراع طبقي مستمر بين قوى مسيطرة (رأس المال) وقوى مطحونة مقهورة (الطبقة العاملة).( ).
وهذه العلاقة بين البنيتين تتغيّرت بتغيّر الحقب التأريخية ومرور الزمن، وبما أن الشكل نتيجة للمضمون ـ والأدب شكل قبل أن يكون مضمونا ـ يأتي التغيير عليه من طبيعة العلاقة بين القوى الاقتصادية والاجتماعية والنص الأدبي.
من هنا نرى توجهين أو تيارين داخل البنيوية، التوجه الغالب أو الشائع هو عزل النص عن كلِّ ما يقع خارجه من المؤلف والعصر والوعي الجماعي والاكتفاء بلغة النص كبنية محايثة مكتفية بذاتها، أما التوجه الثاني فيرى أن المرجعية والتأثيرات الخارجية من ضمنها التطورات الآتية من تعاقب الحقب التأريخية هي التي توجِّه الدلالة، أي تحدِّد العلاقة بين الداّل والمدلول.
إذن لانجد فاعلية للتأريخ لدى أصحاب الفريق الأول في أعمالهم النقدية بل أهملوا مقولة الزمن لأن النص لديهم وجود آني لا علاقة له بالزمن متى نُظر إليه أو قُريء فهو لهذا الزمن، أما الفريق الثاني فينظرون إلى كلِّ موجود مادي وكلِّ ظاهرة بنظرة ماركسية وأعمالهم تعتبر امتداداً للشكلانيين الروس.