بشير علي – المسرى
يستقبل العراقيون عيد الفطر المبارك هذا العام وسط أجواء مفعمة بالفرح والتقاليد الراسخة، لكنهم في الوقت نفسه يواجهون تحديات اقتصادية واجتماعية تضع بصمتها على الاحتفالات، ففي مختلف محافظات البلاد، تتجلى روح العيد عبر طقوس تجمع بين الموروث الشعبي والتعايش السلمي بين المكونات المختلفة، مما يعكس النسيج المتعدد الثقافات الذي يميز العراق.
تقاليد متوارثة في مختلف المحافظات
في بغداد، تستيقظ العائلات منذ ساعات الصباح الباكر لأداء صلاة العيد في المساجد الكبيرة، مثل جامع الإمام الأعظم في الأعظمية وجامع الكاظمية، حيث يتوافد المصلون من مختلف الطوائف لتبادل التهاني، بعد الصلاة، تتجه العائلات لزيارة المقابر وقراءة الفاتحة على أرواح الأحبة، وهي عادة متوارثة تعكس البعد الروحي للعيد.
المحافظات الجنوبية مثل البصرة وذي قار وميسان، تبرز العادات الاجتماعية من خلال تقديم أطباق الحلويات التقليدية كالكليچة، إلى جانب أجواء الاحتفاء بالعشائرية، حيث يتجمع أفراد العائلة في مضائفهم لاستقبال الزوار وتبادل الهدايا، أما في النجف وكربلاء، فالمراقد المقدسة تشهد زيارات مكثفة من المواطنين، بما في ذلك أتباع الطوائف الأخرى الذين يشاركون المسلمين فرحة العيد كجزء من ثقافة التعايش.
أما في إقليم كردستان، فيتميز العيد بأجواء احتفالية تمتزج بين الطابع الإسلامي والعادات الكردية الفريدة، حيث تخرج العائلات إلى المنتزهات الطبيعية لقضاء أوقات ممتعة، فيما تستمر اللقاءات العائلية على مدار أيام العيد.
وفي الموصل وسهل نينوى، تبرز روح التلاحم بين المسلمين والمسيحيين والإيزيديين، حيث يشارك العديد من أبناء هذه الديانات في تبادل التهاني وزيارة جيرانهم المسلمين، في صورة تعكس عودة التعايش بعد سنوات من الأزمات.
التعايش الديني في العيد: وحدة رغم التنوع
أحد أبرز ملامح العيد في العراق هو مشاركة أبناء الديانات الأخرى في الاحتفالات، حيث يهنئ المسيحيون والإيزيديون جيرانهم المسلمين ويشاركونهم مائدة العيد. ففي بغداد، اعتادت الكنائس على إرسال باقات الورود والتهاني للمساجد، كما يحرص رجال الدين من مختلف الطوائف على تبادل الزيارات في هذه المناسبة، تأكيدًا على قيم الأخوة والمواطنة.
عيد مختلف هذا العام: تحديات اقتصادية وأمنية
يأتي عيد الفطر هذا العام في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، حيث يعاني العراقيون من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، مما أثر على أجواء التسوق التي كانت تزدهر قبيل العيد، ورغم ذلك، حرصت العائلات على الاحتفاظ بمظاهر الفرح، ولو بحدود بسيطة، لإدخال البهجة على قلوب الأطفال.
كما يواجه المجتمع العراقي تحديات أمنية في بعض المناطق، لا سيما في ظل المخاوف من عودة بعض التهديدات الإرهابية، وهو ما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لضمان سلامة الاحتفالات.
رسالة العيد: أمل في مستقبل أكثر استقرارًا
رغم التحديات، يظل عيد الفطر مناسبة يعبر فيها العراقيون عن أملهم في غدٍ أفضل، حيث تمثل التجمعات العائلية وزيارات الأقارب فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية، فيما تبقى مظاهر التعايش الديني من أبرز صور التلاحم الوطني.
وفي ظل هذه الأجواء، يتطلع العراقيون إلى أن يكون العيد القادم أكثر استقرارًا ورخاءً، ليعود العراق إلى سابق عهده كنموذج فريد في التنوع والتآخي بين أبنائه.