سعدي أحمد پیرە
عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني
لم ولن تمر ذكرى تسنم مام جلال رئاسة الدولة العراقية في مثل هذا اليوم ٦/٤/٢٠٠٥ علينا مرور الكرام ، ففي مثل هذا اليوم قبل عشرين عاما كان العراق والعملية السياسية برمتها على موعد مع سطوع نجم أضاء سماء العراق من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه ، وكان هذا النجم هو مام جلال القائد السياسي الفذ الذي أعاد البهاء والجلال إلى بلد عانى لعقود طويلة من الحروب والمنازعات والفتن الطائفية ، ووضع بيده اللبنة الأساسية لإعادة بناء هذا البلد المدمر بحكمته وشجاعته وخبرته السياسية الممتدة لأكثر من ستين عاما من النضال السياسي والثوري بجبال كردستان ، ويتم رسالته في بغداد عاصمة الرشيد ويصبح كما قال عنه المرجع الديني الأعلى في العالم سماحة السيد السيستاني بأن( مام جلال هو صمام أمان العراق ) وشهد له بذلك كل الفرقاء السياسيين في العراق الجديد .
ففي مثل هذا اليوم اختار العراق المناضل العنيد والسياسي العتيد وقائد الثورة الكردستانية المحنك ، وأحد أبرز المثقفين المتنورين رئيسا لهم ليقود مسيرة التحرر والخلاص من الدكتاتورية إلى بر الأمان في العراق بعد سنوات طويلة من الخراب والدمار . هذا القائد الثوري الذي واجه الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة على العراق طوال مسيرته النضالية الممتدة لنصف قرن دون كلل ، حتى أن النظام البعثي الذي قاده صدام حسين كان يستثنيه من جميع قرارات العفو السياسي لما رأى فيه من عناد وصلابة في ثورته على الدكتاتورية وضد الاستبداد وقمع العراقيين بمكوناتهم المختلفة .
كانت فترة رئاسته للعراق من أزهى وأجمل سنوات الحكم في العراق ، ففي الوقت الذي بذل فيه كل جهده لحماية العراق من الهجمات الإرهابية ووأد الفتنة الطائفية التي بدأت ملامحها تظهر في بدايات حكمه ، وفضلا عن جهوده الجبارة لتحقيق التوافق والتلاحم بين القوى العراقية وتصريف جهودهم من أجل بناء العراق الديمقراطي الجديد ، حتى أصبحت مائدته تجمع كل يوم العديد من الفرقاء المتنازعين فيخرجون منها متصافين موحدين راضين بحكم هذا الزعيم الفذ . وفضلا عن كل ذلك كان يحظى بثقة ومودة معظم زعماء العالم من الملوك والرؤساء العرب والأجانب ، وحتى الذين لم يوافقوا رؤاه السياسية لكنهم كانوا يحترمون مواقفه ووجهات نظره .
كان مام جلال في مقدمة قادة الحركة التحررية الكردية التي سعت إلى توحيد الجهد المعارض ضد الحكومات والأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في العراق وبذلك ارتبط برباط روحي وثيق مع القوى الثورية التي عارضت نظام صدام حسين وهذا ما جعل منه خيمة يستظل بها جميع القوى السياسية التي عادت للعراق للمشاركة في عملية بناء العراق واستنهاضه من جديد .
وكان له الدور الأبرز في تحقيق المصالحة بين القوى الشيعية والسنية وادامة التوافق بينهما ، إلى جانب عمله المتواصل لتطبيع علاقات العراق مع محيطه العربي والاقليمي والتي تضررت كثيرا بسبب سياسات نظام الرئيس السابق صدام حسين ، وبذلك أصبح العراق بفضل سياساته وجهوده الخيرة عامل استقرار وسلام في المنطقة. وساهم بشكل فاعل في جهود انهاء مشكلة الكويت المزمنة وامكانية حلها بترسيم الحدود بين البلدين ، ومن ثم تطبيع العلاقات بين العراق وإيران بعد سنوات طويلة من الصراعات والحروب وبناء علاقات متوازنة بينهما على كافة المستويات .
لم يكتف الرئيس مام جلال بالجلوس إلى المقعد الرئاسي بقصر السلام ، بل كان يتابع عن كثب حاجات جميع العراقيين في المحافظات دون استثناء ، يلتقي بمواطنيها ويستمع إلى مطالبهم ، ثم يتولى بنفسه بالتعاون مع المحافظين حل المشاكل والنهوض بالخدمات الأساسية لتلك المحافظات ، وبهذا أصبح مام جلال محبوبا من جميع أبناء العراق صغارا وكبارا وأصبح مثلما كانوا يصفونه دائما بالأب والأخ والزعيم والرئيس .
حين داهمه المرض وأقعده عن استكمال مهمته النبيلة لبناء واستنهاض العراق ، ترك فراغا كبيرا لم يمتليء لحد اليوم ، فراغا سياسيا وأمنيا عرض العراق إلى مخاطر جسيمة ، وفي مقدمتها خطر التنظيم الارهابي ( داعش ) وما جره على العراق من مشاكل وأزمات سياسية امتدت إلى كافة أنحاء المنطقة ولا تزال تلك المخاطر قائمة إلى اليوم .
لقد كان للزعيم الراحل أيضا دورا في تحرير العراق من قيود البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة (2000) فأعاد الهيبة والاستقلال للعراق بعد سنوات من الحصار السياسي . حتى قال عنه الدبلوماسي والصحفي الفرنسي الكبير ايريك رولو ” إن مام جلال كان من عادته أن يغير تكتيكاته ، لكنه يظل وفيا دائما لسياساته الاستراتيجية “.
كانت رحلته من جبال قنديل كمناضل وسياسي عريق وكقائد عسكري من الطراز الرفيع ، ووصوله خطوة بعد خطوة إلى قصر الرئاسة في بغداد ، رحلة طويلة وشاقة بذل فيها كل جهده مع شعبه بهدف ايصال العراق إلى بر الأمان في موازاة تحقيق أماني شعبه الكردي بالتحرر من الدكتاتورية واقرار حقوقه القومية المشروعة في نظام اتحادي ديمقراطي يكفل لجميع العراقيين العيش بعزة وكرامة في ظل الأمان والاستقرار .
لقد كان مام جلال قويا أمينا وهو خير من مر على تاريخ العراق الحديث (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) وكان بحق صمام أمان العراق الذي نفتقده اليوم .