أ.م.د. ژینۆ عبدالله- جامعة السليمانية
حين أوصتني رئاسة القسم – مشكورة – بتدريس مادة الرواية لطلبة المرحلة الثالثة في الفصل الدراسي الثاني، وجدت نفسي أمام حيرة جمالية وفكرية: أيُّ رواية أختار؟ لا بد أن تكون سهلة في ظاهرها، عميقة في باطنها، تجمع بين وضوح اللغة وثراء الفكرة، وأن تكون قادرة على أن تُمسك بيد القارئ لتقوده إلى عوالم الأدب الرفيع، دون أن تتعثر أقدامه على عتبات اللغة أو السرد.
بعد نقاشات مثمرة مع الزملاء، وقع اختياري على رواية زرياب للكاتب مقبول موسى العلوي. رواية أخذت بقلبي قبل أن تصل إلى أيدي الطلاب.
وقد كنت أعلم أن معظم الطلبة غير ناطقين بالعربية، ولم يسبق لكثير منهم أن قرأوا رواية عربية كاملة، غير أن المفاجأة السارة كانت في تفاعلهم مع الصفحات الأولى، وشغفهم في المتابعة، وحرصهم على الغوص في سطورها.
السبب؟ جمالية السرد، بساطة اللغة، وشفافية الوصف، وقدرة الكاتب على الموازنة بين البساطة والعمق، بلغة تكاد تلامس الشعر في كثير من الأحيان دون أن تنفصل عن الواقع. أسلوب “سهل ممتنع” كما يُقال، يكشف للقارئ أن الرواية ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل وسيلة تعليمية راقية في تعلم اللغة من أبوابها الواسعة.
وقد أيقنتُ – من خلال التجربة – أن من أراد أن يتعلّم لغة جديدة، لا بد له من أن يعانق النصوص الأدبية، ويحتضن الرواية. فالرواية، دون مبالغة، مدرسة كبرى للغة والثقافة، وتفتح للقارئ أبواب الحضارة التي قد لا يملك وقتًا كافيًا لولوجها من خلال كتب التاريخ الجافة.
رواية زرياب ليست فقط عملاً أدبيًا، بل هي مرآة لوجه منير من وجوه حضارتنا.