الكاتب- الدكتور سعد سلوم
يقدم الكتاب سياسة البابا فرَنْسِيس بوصفها منعطفا في تاريخ البابوية الحديث، وكيف تشابكت الجغرافيَة السياسيَّة لزيارته الى الشرق الأوسط مع قضايا المنطقة وتحولاتها.
مقدمة الكتاب التي كتبها الدكتور (أندريا ترينتيني) مسؤول العلاقات المسيحية الاسلامية في سانت إيجيديو (الفاتيكان) وصفت الكتاب بانه “يقدم تحليلاً ينطوي على عمق تاريخي ومعرفة متخصصة بالواقع المسيحي والكاثوليكي بشكل خاص، وليس من السهل العثور على مثيل له في اللغة العربية”.
ركز الفصل الأول على تحليل “الجغرافيَة السياسيَّة الجديدة للزيارات البابوية” وما يحمله إختيار زيارة بلدان في الشرق الأوسط بعينها من دلالات”. وتحليل سياسة البابا بندكت السادس عشر التي تركز على المركز الأوربي من خلال زيارات إلى الدول والمناطق الأوروبية الكبرى في محاولة لتعزيز الهوية الكاثوليكية التاريخية وكيف غير البابا الأرجنتيني بوصلة الرحلات الرسولية وحوّل التركيز (من المركز الى الأطراف).
يوضح الكتاب تحول الشرق الأوسط الى وجهة مهمة في الجغرافيَة السياسيَّة الجديدة للرحلات للبابوية، على نحو اتاح إعادة تأسيس الحوار مع المرجعية الإسلامية المركزية في الأزهر، ويحلل الكتاب في هذا السياق زيارة الباب لمصر والعاصمة أبو ظبي عام 2019، وأهمية توقيع البابا مع شيخ الأزهر وثيقة الأخوة الإنسانية.
زيارة البابا للمغرب واللقاء مع الملك محمد السادس وأخيرا أول زيارة لحبرٍ أعظم الى العراق استغرقت أربعة أيام عام 2021. زار خلالها أور الكلدان، مسقط رأس الديانات الرئيسية الثلاث-الإسلام والمسيحية واليهودية. واللقاء بالمرجع الشيعي الاعلى السيد السيستاني في النجف الإشرف.
وايضا زيارته الى مملكة البحرين في عام 2022 وكلمته أمام “منتدى حوار البحرين: الشرق والغرب للتعايش البشري”، الذي ينظمه مجلس حكماء المسلمين، في زيارة استغرقت ثلاثة أيام وتمثل أول زيارة إلى المملكة الخليجية، التقى خلالها البابا فرَنْسِيس بالملك حمد بن عيسى آل خليفة في القصر الملكي.
يقدم الكتاب في فصله الثاني مسيرة حياة فرنسيس وتعليمه اللاهوتي، وحلل المؤلف شخصية البابا الذي يراقبه الناس في جميع أنحاء العالم لمعرفة التغييرات التي قد يحدثها في الكنيسة الكاثوليكية. وكيف يتكيف رجل دين اعتاد ركوب الحافلة للعودة إلى العمل في مسقط رأسه بوينس آيرس مع الحياة كقائد لأكثر من مليار شخص عبر العالم؟ وبالنسبة لشعوب الشرق الأوسط، وفي زيارته للعراق بشكل خاص، كانت فرصة لاكتشاف طرق البابا المختلفة للتأثير في منطقتنا وفي سائر أنحاء العالم
يقدم الفصل الثالث (الزيارة البابوية وخيارات ما بعد الربيع العربي) البابا كرائد أعمال سياسي ويتحدث عن دور الكرسي الرسولي في الشرق الأوسط ويشرح الدعوة البابوية لرؤية (ما بعد العلمانية) في الشرق الأوسط التي يعتقد سلوم بإنها تجتذب قطاعات من المسلمين والمسيحيين وبقية الأقليات الدينية ايضا.
ويسهب المؤلف في الفصل الرابع في تفكيك خطابات الكراهية المرافقة لزيارة البابا فرَنْسِيس الى العراق، ويوضح سياسة الكرسي الرسولي من قضايا المنطقة ورفضه للغزو الأميركي للعراق ودعمه للفلسطينيين والقضية الفلسطينية ومواقفه المناهضة للتفضيلات الغربية (الأميركية حصرا)، في العديد من القضايا ذات الصلة”. كما تطرق الى موقف الكرسي الرسولي من الإبادة الجماعية للروهينغا المسلمين.
وسجل الفصل الخامس ما آثارته الزيارة البابوية من جدل بين المثقفين والآثاريين العراقيين حول إشكالية صحة نسبة النبي ابراهيم إلى مدينة أور، ووجود بيت النبي ابراهيم فيها.
في حين ركز الفصل السادس والسابع والثامن على تحديات الزيارة البابوية من جهة توحيد مطالب المسيحيين وإنقساماتهم ووصف اوضاع المسيحيين الراهنة مؤرخا لاوضاعهم منذ عام 2003 في ظل دائرة العنف والإرهاب وتحدث عن قضايا أعمق وأكثر حساسية وهي الانقسامات داخل المجتمع المسيحي موضحا طبيعة النزاعات المسيحية الداخلية والنزاعات بين المسيحيين وجيرانهم من الأقليات وهي قضايا نادرا ما يتم التحدث عنها في وسائل الاعلام او يعرف عنها الجمهور، موضحا ان البابا فرنسيس أكد في أكثر من مناسبة أهمية مبدأ “الوحدة في التنوع” وضرورة تجاوز أعباء الانقسام، واهمية جمع التقاليد المسيحية المختلفة، القبطيّة والمارونيّة والملكيّة والسّريانيّة والأرمنيّة والكلدانيّة واللاتينيّة”.
حلل الفصل التاسع تحديات الزيارة البابوية في مواجهة تعقيدات بلاد ما بين النهرين ومنها تمثيل يهود العراق وتمثيل الزرادشتية والبهائية والكاكائية كاشفا بعض التفاصيل الجديدة كليا في هذا الموضوع.
واخيرا في الفصل العاشر: نحو سياسة منهجية لإستثمار الزيارة البابوية يشرح المؤلف فكرته عن الاستثمار في اقتصاد التنوّع الدينيّ والمجتمعي منطلقا فيه من ضرورة تبني الحكومة خطوات إصلاحيّة جادة تأخذ بالحسبان استثمار زيارة قداسة البابا فرَنْسِيس إلى البلاد؛ لأنها تعدّ الفرصة الأخيرة التي وجّهت الانظار تماما إلى أهميّة العراق كهُويّة حضاريّة دينيّة متنوعة بالغة الثّراء.
يختتم المؤلف كتابه بالقول إن “جعل العراق قضية اخلاقية عالمية يستند الى الوزن الرمزي والروحي لبلاد ما بين النهرين، فهي مهد النبي ابراهيم أبو الانبياء جميعا، وموطن لأقدم الجماعات المسيحية في العالم، ومركز لأبرز المرجعيات الدينية الاسلامية والمسيحية والايزيدية والمندائية، وتنطوي على ثراء ديني عميق وواسع يجعل منها رصيدا حضاريا للجنس البشري”.