أ.م.د. ژينۆ عبدالله – جامعة السليمانية
هل يحتاج طالب القانون في الجامعات إلى دراسة اللغة العربية؟
سؤال يبدو في ظاهره بسيطًا، لكنه في جوهره مدخل لفهم عميق للعلاقة الوثيقة بين النص القانوني واللغة التي يُصاغ بها.
فالقانون، في حقيقته، ليس إلا نصوصًا تُقرأ، وتُفهم، وتُطبَّق. وإذا اختلّ فهم اللغة، اختلّ معها ميزان العدالة.
في كليات القانون، لا تُدرَّس اللغة العربية كما تُدرّس في كليات الآداب أو الإعلام؛ بل تُقدَّم بصيغة خاصة، تُراعي حاجة الطالب إلى لغة تتميّز بالدقة والوضوح والانضباط الصارم.
فاللغة القانونية لا تتسع للزخرفة، ولا تحتمل المجاز، ولا تُحب البلاغة. هي لغة مباشرة، صريحة، محددة، ترفض الغموض والتأويل.
وفي هذا السياق، يأتي كتاب “اللغة العربية والقانون” للأستاذ الدكتور أحمد عبدالظاهر، ليقدّم رؤية علمية متكاملة حول طبيعة اللغة القانونية، وضرورتها، وأدواتها، مستهدفًا الطالب والباحث والممارس في آنٍ واحد.
لا يكتفي المؤلف بالطرح النظري، بل يغوص في تفاصيل الممارسة القانونية، ليؤكد أن الكتابة القانونية لا تُكتسب بالقراءة وحدها، بل تُبنى عبر تدريب مستمر، وصقل مهارات لغوية دقيقة.
فالكاتب القانوني لا يملك ترف الإيحاء أو الغموض، بل عليه أن يكون واضحًا، مباشرًا، محكم العبارة، خاليًا من الالتباس.
من النقاط الجوهرية التي يسلّط المؤلف الضوء عليها، أن الجُمل القانونية يجب أن تكون إثباتية لا نفي فيها؛ لأن الشك لا مكان له في الحكم، والتردد لا يليق بنصٍ قانوني.
كما يُحذّر من استخدام التعابير الأدبية في الصياغات القانونية، إذ قد تُفسَّر على غير مرادها، وقد تنقلب البلاغة إلى إساءة.
في لغتنا اليومية، نقول مثلًا: “أنت كالأسد”، ونقصد بها المدح. لكن في قاعة المحكمة، قد تُعدّ العبارة إساءة، لأن القانون لا يتعامل مع النوايا، بل مع النصوص الصريحة والمجردة من العاطفة.
ومن ملامح اللغة القانونية أيضًا اعتمادها على الجُمل الشرطية؛ فالقوانين تُبنى غالبًا على “إذا” و”فإن”، لربط الوقائع بنتائج منطقية واضحة.
فاللغة القانونية لا تستهدف إثارة العاطفة، بل تُخاطب العقل، وتُقنع بالحجة والدليل.
والمحامي البارع هو من يعرف كيف يُحكم نصّه، ويُقنع بقوة منطقه، لا بعذوبة ألفاظه.
إن هذا الكتاب بمثابة دعوة صريحة لكل طالب قانون، وكل محامٍ ومشرّع، إلى إعادة النظر في علاقته باللغة.
فالعدالة لا تُقام على نصوص مهزوزة، وإنما على عبارات صلبة، دقيقة، محكمة.
ومن لا يُتقن لغة القانون، قد يُسقِط حقًا أو يُضيّع عدالة.
أشكر الزميل والصديق الصحفي سوران على ترشيحه هذا الكتاب القيم، فقد وجدت فيه زادًا فكريًا ولغويًا لا يُستغنى عنه لكل مشتغل بالقانون.
ففي محراب العدالة، الكلمة ليست أداة تعبير فحسب، بل مصير إنسان.