في خطوة بارزة وكعادته ، أصدر مجلس القضاء الأعلى العراقي بتاريخ 1 أيار 2025 توجيهًا إلى محاكم الأحوال الشخصية يحذّر من إبرام عقود زواج صورية تُستخدم كغطاء لغسل الأموال، عبر إدراج مهور مبالغ بها دون نية حقيقية للزواج، وهو ما يمثل تحايلاً قانونيًا يهدف إلى إضفاء مشروعية وهمية على أموال ذات مصدر غير مشروع.
يمثل هذا التوجيه التفاتة ذكية من القضاء العراقي ومتوثبة ، تُجسّد وعيًا متقدمًا بأن الجريمة الاقتصادية باتت تتسلل إلى القضاء المدني المتمثل بمحاكم الأحوال الشخصية، لا سيما عبر العقود الشكلية، الأمر الذي يستدعي من القاضي المختص فحصًا دقيقًا لجدية العلاقة الزوجية وتوازنها المالي، لا الاكتفاء بالشكل الإجرائي.
من حيث التكييف القانوني، يُعد الزواج الصوري باطلًا لافتقاده الرضا الحقيقي، وهو أحد أركان العقد في قانون الأحوال الشخصية العراقي، كما قد يُكوّن أداة مباشرة لارتكاب جريمة غسل أموال وفق قانون رقم 39 لسنة 2015، متى ثبت وجود نية تمويه وتحايل مالي.
الملفت للنظر يلاحظ أن التوجيه العراقي ينسجم مع فقه قانوني راسخ في التشريع الفرنسي، حيث تعتبر العقود الصورية (les actes simulés) باطلة متى أُبرمت لغرض مخالف للنظام العام أو لإخفاء حقيقة مالية .
وتنص المادة L.561-15 من قانون النقد والمال الفرنسي على أن العقود الشكلية قد تُستغل في غسل الأموال ، وهو ما أكدته وحدة TRACFIN التي اعتبرت الزواج الصوري من وسائل التبييض للاموال .
هذه المعالجة القضائية لا تقتصر على العراق وفرنسا، بل تجد نظائر لها في أنظمة عديدة لكن باشكال مختلفة :
المملكة المتحدة اعتبرت الزواج الشكلي مؤشرًا على نشاط مالي مشبوه.
كندا أدرجت العقود العائلية ضمن مؤشرات غسل الأموال في تقارير FINTRAC.
الولايات المتحدة، من خلال FinCEN، لاحقت حالات زواج استُغلت لتبييض أموال.
الإمارات العربية المتحدة طلبت من المحاكم التحقق من مصدر المهور قبل التسجيل.
إن هذا التوجيه لا يعالج واقعة جزئية فحسب، بل يؤسس لتكامل وظيفي بين محاكم الأحوال الشخصية والجهاز الرقابي المالي، ويُعد نموذجًا يُحتذى به إقليميًا وحتى دولياً في مواجهة الجرائم المالية المعولمة، ما يستدعي استكماله بأدوات تنفيذية تشمل التدريب القضائي والربط المؤسسي ، وإجراءات التحري المالي الوقائي داخل المحاكم والتي تستوجب طرق واليات عمل جديدة.