سوران علي
إنه هو الهروب إلى الأمام بعينه ما طرحه السيد مسرور بارزاني في تشاتام هاوس بشأن الدعوة لتطبيق الكونفدرالية في العراق بحجة منحها المكونات قوة أكثر، فطرح كهذا في خضم الأزمات التي تعصف بالبلاد يدعو إلى التأمل فهو مقترح ضعيف، وهو دون شك يأتي كتغطية على أزمة بأخرى كوردستان والعراق في غنى عنها، إذ لن يقدم أو يؤخر شيئا من الوضع العراقي المنسد أصلا إن لم يزد من شدة انسداده، وهو كذلك تناقض بوضوح موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العملية السياسية، ففي حين يسعى للعودة بقوة إلى العراق لتبوء مكانة ومناصب فيه وينافس الجميع على عراقيتهم، يأتي السيد مسرور بارزاني وينادي بتطبيق الكونفدرالية التي تعني عكس هذه التوجهات تماما.
يبدو أن السيد مسرور بارزاني نسي أو تناسى أن تطبيق الكونفدرالية في العراق بدل الفدرالية تترتب عليه مخاطر كثيرة منها وقف العمل بالدستور الحالي أو إلغائه وصياغة آخر جديد وهو أمر فائق الصعوبة إن لم يكن مستحيلا، في وقت يجد الكورد أنفسهم أحوج ما يكونون للتمسك بالدستور الحالي الذي يضمن معظم حقوقهم القومية.
ولابد من الأخذ بنظر الاعتبار أن الإقليم يعيش الآن في الوقت الراهن وضعا يعد أفضل بكثير فعند تطبيق الكونفدرالية سينقطع تدفق الأموال التي يتسلمها لدفع رواتب موظفيه كل شهر ولن يبقى هناك ما تسمى نفقات سيادية أو تشغيلية كما لن يبقى للكورد وجود في أي مؤسسة عراقية في العاصمة الاتحادية.
قد يكون القصد من وراء الطرح هو التهرب من تنفيذ قرار المحكمة الاتحاد حول نفط إقليم كوردستان، ولكن من المؤكد أنه جاء دون الأخذ في الحسبان تداعياته وحتى دون دراسة ومناقشة أو مفاتحة الأطراف المعنية به سواء في الإقليم أو في العراق وبالتالي فمن المستحيل أن يأخذ حيزا في مناقشات الأطراف العراقية أو تولي له أهمية تذكر. أضف إلى ذلك أن مثل هذا الطرح يعد مفاجأة للجميع لذلك ليس من المستبعد أن يكون الهدف منه إشغال الأطراف السياسية به لإبعاد الأنظار عن موضوع قرار المحكمة.
لقد أعاد الطرح إلى الأذهان ما يعرف به الحزب الديمقراطي الذي يرفع سقف مطالبه عند الأزمات، ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرة، فهذه الفكرة كما تقول المؤشرات لن تجد قبولا لا داخليا في كوردستان ولا في العراق ولا عند الدول الإقليمية؛ لأنها لا تخدم العملية السياسية ووحدة العراق الديمقراطي الاتحادي وحقوق الكورد فيه.
وتؤكد الأطراف الكوردية البارزة أن الأفضل للكورد في هذه المرحلة الدفاع عن الديمقراطية والفدرالية في العراق كما نص عليه الدستور، لأنه يمثل أفضل خيار متاح أمامهم لا سيما وأن هناك محاولات لتعديله بما لا يتواءم مع رغبات وإرادة الكورد، ولابد لتلك الأطراف أن تعي أيضا أن الشعارات الكبيرة البراقة التي يرفعها البارتي ليس لها أي دعم سياسي وقانوني ودستوري فكما هو معروف يكرر البارتي دعواته للأطراف العراقية إلى الإلتزام بالدستور مرارا في حين هو يدعو لأمور مختلفة الأمر الذي يعد تناقضا واضحا، فطرح أفكار وتوجهات كفكرة الكونفدرالية تعتبر مخالفة للدستور ولما يجري في العراق الذي يعتبر حزب السيد مسرور نفسه جزءا منه ويريد العودة إليه بقوة بعد فشل الاستفتاء على استقلال اقليم كوردستان الذي كان البارتي نفسه عرابه وحامل رايته.
لم يبق البارتي على التوافق الذي سار عليه العراق بعد 2003 وفضل الذهاب وراء فكرة الأغلبية مع أطراف لا تؤمن أصلا بالفدرالية بل وتعاديها وخرج عن المسار الكوردي بترشيحه أشخاص لمنصب رئيس الجمهورية بخلاف الاتفاقات المسبقة والعرف السياسي السائد فكيف يطرح الكونفدرالية وهو متحالف مع أطراف ترفع شعار وحدة العراق أولا وأخيرا؟ وهذا سؤال بانتظار التحالف الثلاثي للإجابة عليه.
إن الخوض في موضوع مهم وحساس يتعلق بمستقبل الكورد كمكون أساسي في العراق لابد أن يخضع لاتفاق القوى السياسية الكوردية ومؤسسات الإقليم التشريعية وليس من حق السيد مسرور بارزاني الذي يمثل حزبه فقط في حكومة ائتلافية التحدث باسم الكورد مطلقا وطرح أفكار تهمهم كقومية ثانية في العراق.
في المجمل جاء طرح تطبيق الكونفدرالية ميتا قبل ولادته، إذ لم يراع التوقيت المناسب وجاء بالتزامن مع تراكم العديد من المشكلات والأزمات، ولم يتمتع بأرضية مناسبة بل تفاجأ به الأصدقاء قبل الخصوم، ولم يأت من موقع قوة وتأييد بل بدا كرأي شخصي لا أكثر ولا أقل.