أثارت تصريحات رئيس وزراء اقليم كردستان مسرور بارزاني، بشأن رغبة الاقليم في التوجه نحو خيار الكونفدرالية ردود فعل متباينة على الساحة العراقية.
وتباينت ردود الفعل حول إمكانية تطبيق الخيار الجديد الكونفدرالية سواء من الناحية القانونية والدستورية او بسبب الظروف الإقليمية والدولية، فيما طالب اخرون بمعالجة الأسباب التي دعت الى إطلاقها للحفاظ على وحدة العراق.
وكان بارزاني قد قال خلال زيارته إلى بريطانيا، الاربعاء الماضي، أن تطبيق نظام الكونفدرالية سيمنح المكونات قوة أكبر في العراق.
و ازعجت تصريحات رئيس وزراء اقليم كردستان مسرور بارزاني، في رغبة الاقليم في الكونفدرالية، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يجد نفسه محرجا من مساع حليفه في التحالف الثلاثي وخاصة مايتعلق ببيع النفط الى إسرائيل.
وبحسب مصادر مقربة من التيار الصدري تحدث لموقع “هاف بوست عراقي” فان تغريدة الصدر، السبت، حول مقترح مشروع لـ”تجريم التطبيع مع إسرائيل”، من أجل التصويت عليه في البرلمان العراقي، سببه سياسات الإقليم، الأمر الذي يجعل التحالف الثلاثي على مفترق طرق، فيما كشفت مصادر عن ان زعيم التيار الصدري طلب تفسيرا من الحزب الديمقراطي الكردستاني، لهذه التصريحات التي ترقى الى كونها الدعوة الى انفصال مبطّن.

واللافت ان السفير العراقي في لندن جعفر الصدر احتفى بمسرور اثناء زيارته العاصمة البريطانية.
وقال الاكاديمي فاضل اليونس أن تصريح مسرور بارزاني حول الكونفدرالية مقززة و لا يجب السكوت عنها، و اذا كان مقتدى الصدر صادق بالدعوة لبناء دولة قوية، فعليه الرد و بقوة على هكذا تصريحات هدفها تفكيك خارطة الدولة العراقية.
ويعتقد مسرور أن الدول الكبيرة مثل بريطانيا تستطيع أن تلعب دورا محوريا في مشروع كونفدرالية عراقي، غير مدرك لمتغيرات الزمن والتاريخ، وان الحسم في مثل هذه المواضيع الحساسة للدول القوية الإقليمية لاسيما ايران وتركيا في قراءة خاطئة منه لخارطة القوى العالمية.
وكان بارزاني قد دعا خلال زيارته إلى بريطانيا، الاربعاء الماضي، الى تطبيق نظام الكونفدرالية في العراق.
**ويشكك الكاتب والباحث عدنان أبوزيد في امكانية مسرور بارزاني على مناقشة المشروع مع الدول ذات الصلة المباشرة بالموضوع وهي تركيا وايران، فضلا عن طرحه على العاصمة الاتحادية بغداد في المقام الأول.

وقال إن مسرور بارزاني يعرف جيدا أن هذه الدول التي رفضت الانفصال سوف ترفض المشروع الكونفيدرالي أيضا.
لكن مسرور بارزاني قال بكلمة في معهد تشاتام هاوس في لندن غير ذلك، مشيرا الى أن الظروف المحيطة لإقامة نظام كونفدرالي في العراق قد نضجت، وبدأنا في التحرك على هذا الأساس. وقال أيضاً: حان الوقت لطرح الكونفدرالية كخيار ستراتيجي ينهي حالة الضبابية السائدة في علاقتنا مع المركز.
الكونفدرالية تكون بين الدول وليس الاقاليم
ويقول الكاتب عبدالامير المجر، ان تصريحات مسرور بارزاني ليست غير موفقة في موضوعها فقط، بل في توقيتها ايضا، لان الكونفدرالية تكون بين الدول وليس الاقاليم.
ويضيف المجر، ان هذا التصريح الخطير والذي يضمر الكثير من المخاطر على وحدة العراق، يؤكد ان هناك من لايريد لهذا البلد غير التمزق والتشرذم.
دعوة بارزاني للكونفدرالية تمزق وحدة العراق
الأكاديمي فاضل اليونس، يتحدث عن تداعيات تصريح مسرور على مستوى التحالفات، فيقول انه اذا كان مقتدى الصدر صادق بالدعوة لبناء دولة قوية، فعليه الرد و بقوة على هكذا تصريحات هدفها تفكيك خارطة الدولة العراقية.
ويرى المتابع للشأن العراقي، مهدي الغزي، انه بعد جولة مسرور بارزاني الى تركيا وبريطانيا وما عقده من اتفاقيات سيكون الحزب الديموقراطي بحاجة ماسة الى المزيد من الوحدة مع حزب الاتحاد الوطني، من اجل تحقيق الكونفدرالية والثمن تنازل الديمقراطي عن رئاسة الجمهورية.
واعتبر الكاتب حمدان الفليح، دعوة بارزاني للكونفدرالية تمزق وحدة العراق.
هستريا مابعد قرار المحكمة الاتحادية
![]()
ويربط الكاتب الصحفي علي الزيادي حديث بارزاني عن الكونفدرالية بقرار المحكمة الاتحادية، قائلا: منذ صدور قرار المحكمة الاتحادية بعدم شرعية قانون نفط وغاز كردستان، والقيادات الكردية تعيش هستيريا في اقولها وافعالها.
يريد التغطية على فشله
وفي رد على دعوة بارزاني للكونفدرالية، قالت رئيسة كتلة حركة الجيل الجديد في البرلمان سروه عبدالواحد، ان مسرور بارزاني يريد التغطية على فشله بعد رشقه بالبيض والأحذية في لندن فخرج بموضوع الكونفدرالية.
بحث عن حل أم محاولة لـ”الاستقلال”
وحول هذه الدعوة، يقول السياسي الكردي محمد زنكنة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “نظام الحكم في العراق منذ العام 1920 وحتى اللحظة لم يكن مرتبطا بنوعية النظام، بل مرتبط بمن يتولى الحكم، سواء في النظام الملكي أو الجمهوري، وهذه هي المشكلة مع الحكومة العراقية التي تأخذ عقلية الحاكم”.
ويضيف زنكنة، أن “النظام المركزي مقيت، وهذا النظام أثبت فشله بعد تجربته، والنظام الفيدرالي جيد، لكن حتى هذه اللحظة لا يوجد ضمن جداول عمل مجلس النواب أي نقاش حول تشكيل المجلس الثاني من مجلس النواب وهو مجلس الأقاليم، وهذا بحد ذاته خرق كبير للدستور”. ويؤكد أن “هناك رفضا لتشكيل أقاليم أخرى سواء البصرة أو نينوى وغيرها من قبل أصحاب الحكم في بغداد، لذلك فإن رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، طرح فكرة الكونفدرالية، كحل بديل من الممكن أن يضمن الحرية للأقاليم والمحافظات، ويمكن أن يحدث بعد تعديل الدستور”، مبينا أن “الفيدرالية اذا طبقت بكل تفاصيلها فهذا جيد، وإن لم تطبق فمن الأفضل اللجوء الى الكونفدرالية”.
الدستور ينص على فيدرالية الدولة

لكن الخبير القانوني عدنان الشريفي، يقول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المطالبة تطبيق نظام الكونفدرالية، مخالف للدستور تماما، لأن الدستور ينص على فيدرالية الدولة، وذلك يعني وجود حكومة مركزية”.
ويصف الشريفي، تلك الدعوة بالقول “هي مطالبة مغلفة بالاستقلال”، موضحا أن “غياب الفيدرالية، يعني أن النظام يكون شبيها بالاتحاد الأوروبي الذي يضم دولا مستقلة عن بعضها، أي أن دولة كردستان ودولة العراق تشكلان اتحادا واحدا”.
ويبين أن “تطبيق الكونفدرالية، يعني إيقاف أية صلاحيات للحكومة العراقية على حكومة إقليم كردستان، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، فلكل دولة رئيس ومجلس وزراء وصلاحيات كاملة، ولكنها ترتبط بسياسة خارجية واحدة وهي الاتحاد الكونفدرالي، كما أنه من الممكن أن تكون لهم عملة موحدة”.
وبالتوجه الى البصرة، وهي المحافظة التي تطالب بأن تكون إقليما منذ سنوات طويلة، فإن النائب عنها زهرة البجاري، ترى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الكونفدرالية هي دولة منفصلة وموحدة لمواطنيها بولاياتها وأقاليمها، كأنما دول مختلفة، ودعوة بارزاني بتطبيقها ليست غريبة، فهو سبق وأن دعا الى الانفصال ولم يحدث”. وتتابع أن “الكونفدرالية لا يسمح الدستور العراقي بتطبيقها، لأن الدستور نص على الأقاليم أو المحافظات غير المرتبطة بإقليم، هي تحت راية العراق ولا يمكن أن تنفصل”، مضيفة “نحن كنواب عن البصرة نطالب تحت راية الدستور الذي هو الفيصل بيننا، بأن تكون المحافطة إقليما تحت راية العلم العراقي أشبه بإقليم كردستان، وليس الذهاب نحو الكونفدرالية، فهذا يعني انفصالا عن العراق، ونحن نطالب بالفيدرالية”.
وإذا لم تحصل محافظة البصرة على مخصصات البترودولار، ولم يصر إلى تنفيذ قانون البصرة العاصمة الاقتصادية للعراق وغيرها من الأمور، مثل تخصيص موارد مالية للتلوث البيئي، تواصل البجاري “سنرفع صوتنا ونطالب بالإقليم”.
اتحاد مشترك بين دول مختلفة
من جهته يقول الخبير القانوني علي التميمي -تعليقا على مفهوم الكونفدرالية- إنها وفق الفقه الدستوري تعني اتحادا مشتركا بين دول مختلفة أعضاء في الأمم المتحدة حيث تتحد فيما بينها بتعاون ونظام داخلي مشترك على أن تحتفظ كل دولة بسياستها وسيادتها.

ويضيف التميمي -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك أمثلة على ذلك مثل الاتحاد الكونفدرالي في الجامعة العربية وفي الاتحاد الأوروبي وفي المؤتمر الإسلامي وغيرها الكثير من الأمثلة.
وعن دعوة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني في لندن لتطبيق الكونفدرالية في العراق للخروج من المشكلات الحالية، أوضح التميمي أن العلاقة بين العراق الاتحادي وإقليم كردستان هي علاقة فدرالية تعني أن الدولة تقسم إلى مقاطعات وأقاليم على أن يكون القرار السياسي والسياسة الخارجية والداخلية والسيادة موحدة ضمن دولة واحدة عضوة في الأمم المتحدة.
ويتابع التميمي -حديثه للجزيرة نت- بالتأكيد على أنه من الصعوبة بمكان تحويل العراق إلى النظام الكونفدرالي على اعتبار أن الدستور العراقي ينص في المادة الأولى على أن العراق بلد فدرالي وعبارة عن أقاليم ومحافظات، وأن إقامة دولة جديدة تتطلب موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارا من مجلس الأمن الدولي فضلا عن ضرورة إصدار عملة خاصة بالبلد الجديد، وهو ما يعد في غاية الصعوبة بالنسبة للإقليم، حسب التميمي.
مجرد رؤية عامة من دون برنامج
أما الصحفي الكردي سامان نوح، فيرى من جانبه أن رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني لم يتحدث عن الكونفدرالية في إطار مشروع برنامج تتبناه القيادة الكردية وتعمل على تطبيقه، وإنما جاء كرؤية عامة للحل النهائي لمشكلة المكونات وصراعها داخل الدولة العراقية، وبالتالي لا يوجد مشروع كردي أو حتى مشروع محدد من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.
وتابع نوح -في حديثه للجزيرة نت- أن تجربة الاستفتاء عام 2017 فشلت وتم التخلي عنها من القيادة الكردية تحت ضغط الأمر الواقع داخليا وإقليميا ودوليا، مشيرا إلى أن الأوضاع لم تشهد أي مستجدات تدعو لإعادة إحياء المشروع، وبالتالي فإن التصريحات عن الكونفدرالية لا تخرج عن كونها مجرد رؤية عامة من دون برنامج أو مشروع لتبنيها.
على الجانب الآخر، يؤكد الباحث السياسي عمر عبد الستار أن إقليم كردستان العراق مرّ بـ3 مراحل تاريخية: أولها حصوله على الحكم شبه الذاتي بين عامي 1991 و2003، ثم دخوله ضمن العراق الفدرالي وفق المادة 117 من الدستور بعد الغزو الأمريكي للبلاد والإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، وصولا للمرحلة الحالية التي باتت تشهد تعطيلا للشراكات الكردية سواء مع السنة أو الشيعة في العراق بضغوط إيرانية.
وفي حديثه للجزيرة نت، تابع عبد الستار أن مبررات الكونفدرالية كرديا جاءت بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقرارات المحكمة الاتحادية بشان استبعاد مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري من منصب رئاسة الجمهورية ثم إبطال قانون النفط والغاز الكردي ثم تطورات الأزمة من خلال استهداف أربيل بصواريخ بالستية من إيران.
حاجة إقليم كردستان الاقتصادية لبغداد ستظل متأصلة
وبالعودة إلى سامان نوح، حيث يرى أن لا إمكانية لانفصال الإقليم أو التوجه إلى الكونفدرالية، معللا ذلك بأن الإقليم بات اليوم أضعف مما كان عليه قبل 5 سنوات، فضلا عن الانقسامات الكردية الداخلية التي وصفها بـ”الكبيرة”، وفشل إدارة الملف الاقتصادي الذي يدفع معظم الكرد إلى التخلي عن أي فكرة أو رؤية لقطع التواصل بشكل شبه كامل مع بغداد.
وتابع نوح معلقا “حاجة إقليم كردستان الاقتصادية لبغداد ستظل متأصلة لسنوات قادمة إلى جانب التداعيات الأمنية والإدارية لتوجه الانفصال، خاصة في ظل استمرار الموانع والعوائق الإقليمية والدولية، معتبرا أن تجربة الانفصال عام 2017 أفقدت الكرد نصف الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها سابقا في المناطق المتنازع عليها من سنجار غربا إلى كركوك وانتهاء بخانقين شرقا”.
