بشير علي
في تصريح يحمل دلالات سياسية عميقة ويعكس رؤى واضحة لمستقبل البلاد، أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في مقابلة صحفية مؤخراً، أن “العراق الجديد لا يقبل أن يكون تابعًا لأحد”، مشددًا على أن استعادة القرار الوطني المستقل يمثل حجر الزاوية في نهج حكومته، إلى جانب محاربة الفساد وتحقيق نهضة شاملة تمس مختلف جوانب حياة المواطن العراقي.
هذا الموقف يأتي في سياق مرحلة دقيقة يمر بها العراق، وسط تحديات إقليمية ودولية متشابكة، وإرث داخلي معقد من أزمات اقتصادية، وفساد مالي وإداري، ونظام مؤسساتي يحتاج إلى إصلاح جذري. ويبدو أن السوداني يسعى، من خلال هذه التصريحات، إلى ترسيخ رؤية سياسية تقوم على تعزيز السيادة الوطنية وترتيب البيت الداخلي، من خلال مواجهة الفساد وتنفيذ إصلاحات حقيقية.
السيادة الوطنية أولًا
تصريح السوداني بشأن رفض التبعية لأي طرف، يحمل في طياته رسالة سياسية موجهة إلى الداخل والخارج معًا، مفادها أن العراق، في ظل حكومته، ينشد الاستقلالية في قراره السياسي والاقتصادي، وأن زمن الاصطفافات غير المتوازنة قد ولّى. ويعكس هذا التوجه مسعى لبناء دولة مؤسسات ذات سيادة كاملة، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، سواء من دول الإقليم أو من القوى الدولية الكبرى.
هذا الطرح لا ينفصل عن سياسة متوازنة اتبعتها الحكومة خلال الفترة الماضية، تمثلت في تعزيز العلاقات الإقليمية والدولية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، دون الدخول في محاور أو صراعات لا تخدم مصلحة البلاد.
معركة الفساد.. الطريق نحو النهضة
إلى جانب التأكيد على السيادة، لم يغفل رئيس الوزراء ملف الفساد الذي وصفه بأنه “كان كبيرًا”، في إقرار مباشر بعمق الأزمة التي عانى منها العراق لسنوات. ووفقًا للسوداني، فإن جهودًا كبيرة تُبذل حاليًا من أجل التصدي لهذا التحدي الجوهري، باعتباره العقبة الأكبر أمام التنمية وبناء مؤسسات الدولة.
محاربة الفساد ليست فقط شعارًا يرفعه السوداني، بل هو مسار عملي شهد إطلاق عدد من التحقيقات، ومراجعة عقود، وتعزيز دور الأجهزة الرقابية، إضافة إلى مساعي لاسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة المتورطين، بغض النظر عن مناصبهم أو انتماءاتهم.
نهضة شاملة
الحديث عن “نهضة” ليس مجرد تعبير إنشائي، بل يعكس توجهًا استراتيجيًا في برامج الحكومة، خاصة في القطاعات الحيوية مثل التعليم، الصحة، الطاقة، والبنية التحتية. السوداني يراهن على أن بناء عراق قوي يبدأ من الداخل، عبر تحسين الخدمات، وتوفير فرص العمل، واستثمار الموارد الطبيعية بالشكل الأمثل، لا سيما في ظل تعافي أسعار النفط وتزايد العوائد المالية.
لكن تحقيق النهضة الموعودة يتطلب بيئة سياسية مستقرة، وشراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع، ودعمًا دوليًا مبنيًا على المصالح لا الإملاءات. وهذه المعادلة لن تكون سهلة، لكنها ليست مستحيلة في ظل وجود إرادة سياسية واضحة كما يعبّر عنها السوداني.
تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تكشف عن توجه جديد في السياسة العراقية، قوامه الاستقلال والسيادة ومكافحة الفساد كأساس لأي نهضة. لكن التحدي الأهم يكمن في القدرة على تحويل هذه الأقوال إلى أفعال، وتجاوز العقبات السياسية والإدارية والاقتصادية، وصولًا إلى عراق جديد بحق، لا يكون تابعًا لأحد، بل شريكًا فاعلًا في محيطه الإقليمي والدولي، ومستندًا إلى دولة مؤسسات تحترم شعبها وتعمل لأجله.