السليمانية – بشير علي
تمتزج في مدينة السليمانية، روح العيد بعبق التاريخ، حيث يحتفل الأهالي بعيد الأضحى بطقوس متوارثة تعكس عمق الانتماء للهوية الكردية وتقاليدها، وتُبرز في الوقت ذاته روح التآخي والتكافل الاجتماعي التي تُميّز هذا المجتمع.
الفجر الذي يضيء الوجدان
تبدأ مظاهر العيد فجراً، حين تمتلئ الجوامع والساحات الكبرى بالمصلين لأداء صلاة العيد، حيث يتوافد الرجال بأزيائهم الكردية التقليدية، التي تتنوع بين الزي الجافا والكراس، فيما يصطحب البعض أبناءهم لإشراكهم في هذه الطقوس منذ نعومة أظافرهم. بعد الصلاة، يعمّ السلام والتصافح بين الحاضرين، وتُرفع الأكف بالدعاء من أجل السلام والرحمة، وسط أجواء إيمانية مهيبة.
ذبح الأضاحي… طقس التضحية والرحمة
ما إن تنقضي الصلاة، حتى تبدأ العائلات بذبح الأضاحي وفقًا لتعاليم الشريعة الإسلامية، في مشهد تتداخل فيه الروحانيات مع العادات. يقوم الرجال عادةً بالذبح، بينما تتولى النساء مهمة تجهيز اللحم وتوزيعه، حيث يُخصّص جزء منه للفقراء والمحتاجين، في تجسيد حيّ لمفهوم التكافل الذي يشكّل إحدى ركائز العيد.
المائدة الكردية… تراث يُطهى بحب
لا يكتمل عيد الأضحى في السليمانية دون نكهة الأطباق الكردية الأصيلة، تتفنن ربات البيوت في إعداد “دولمة” العيد، وهي مزيج من الخضروات المحشوة بالأرز واللحم والبهارات، بالإضافة إلى أطباق مثل “برياني”، و”كفتة”، و”كباب الكردي”، التي تُقدَّم للضيوف والأقارب في جلسات العيد، ويُعدّ الشاي الكردي، المُقدَّم في كاسات صغيرة، عنصراً أساسياً في طقوس الضيافة.
الزيارات… جسور المحبة الممتدة
يحافظ أهالي السليمانية على عادة زيارة الأقارب والجيران خلال أيام العيد، تبدأ بالوالدين وكبار السن، وتنتهي بالجيران والأصدقاء، وتُعتبر هذه الزيارات فرصة لتجديد الروابط الاجتماعية، وتبادل التهاني، ومسامحة القلوب، مما يجعل من العيد مناسبةً للمّ الشمل وتعزيز الأواصر.
العيد في أعين الأطفال
يحظى الأطفال بنصيب وافر من فرحة العيد، حيث يرتدون ملابس جديدة ويتجولون في الأحياء لاستلام “عيدية” من الكبار، بينما تُقام لهم فعاليات خاصة في الحدائق والمتنزهات، مثل عروض الدمى والألعاب الشعبية، في حين تتحول شوارع المدينة إلى مساحات تعجّ بالضحك والفرح.
عيد بطابع خاص
ما يميّز طقوس العيد في السليمانية هو ذلك التوازن بين الأصالة والحداثة، ففي الوقت الذي تُحافظ فيه الأسر على الطقوس التقليدية، لا تغيب لمسة العصر الحديث، حيث تُشارك العائلات صور احتفالها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتُجهَّز أماكن النزهات لتستقبل العائلات الباحثة عن لحظات هادئة في أحضان الطبيعة الخلابة التي تحيط بالمدينة.
عيد الأضحى في السليمانية ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو مهرجان اجتماعي وثقافي ينبض بالروح الكردية وعبق التاريخ، وبين صلاة الفجر، ودخان المشاوي، وضحكات الأطفال، تتجلى في المدينة مشاهد مفعمة بالحب والعطاء والانتماء.