محمد البغدادي
يفتخر الصحفيون العراقيون بنهجهم الصريح وقلمهم الحر منذ تأسيس أول نقابة لهم في ظل معركة الوجود والبقاء على أرض ميدانهم الحقيقي الخصب ومبادىء الثقة التي تجسرت بينهم وبين المواطن ، قدم خلالها الصحفيون وفي طليعتهم الرواد يتقدمهم الشاعر الأكبر والصحفي محمد مهدي الجواهري وفقيد الأمة مام جلال رحمهم الله ، ممن تشهد لهم صولات الصحافة ومتاريس الكلمة الشجاعة.
اليوم هو ذكرى ميلاد الصحافة العراقية ما يدعونا الى تسليط الضوء على تاريخها ورجالها ونشاطها والمراحل التي مرت بها منذ العهد العثماني والإحتلال البريطاني والظروف الموضوعية التي إكتنفت حراكها وثوراتها الفكرية وتحولاتها السياسية ومعاركها الشرسة في سوح المنازلة .
من هنا بدأت الحكاية
تبدأ قصة الصحافة العراقية مع تعيين الوالي مدحت باشا على العراق حيث جلب معه مطبعة من باريس وصارت تطبع فيها الجريدة، ثم أسس بعدها مدرسة صناعية في بغداد، وكان من بين أهدافها سد حاجة المطبعة إلى العمال الفنيين والمرتبين وكان الهدف الأساسي للجريدة هو إعادة الثقة المفتقدة ما بين المواطن والسلطة.
ويشكل ظهور هذه الجريدة علامة تحول بارزة وانعطافه للتحول إلى الحياة الحضارية والتقدم الذي كان يتسارع في العالم وخصوصا في أوروبا.
والصحفيون العراقيون اعتادوا الإحتفال بيوم الصحافة العراقية في الخامس عشر من حزيران من كل عام بإعتبار أن هذا التأريخ هو ولادة أقدم جريدة عراقية وهي / الزوراء/ صدرت في مثل هذا التاريخ من عام 1869.
وتعد الزوراء أول صحيفة رسمية أسسها الكاتب أحمد مدحت أفندي وهو في الوقت نفسه أول من تولى رئاسة التحرير فيها. تولاها بعده عزت الفاروقي وأحمد الشاوي البغدادي وطه الشواف ومحمد شكري الآلوسي وعبد المجيد الشاوي وجميل صدقي الزهاوي.
الزوراء عنيت بنشر أخبار تتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية بالدرجة الرئيسية إضافة إلى نشر الفرمانات ومقالات في الشؤون الثقافية والسياسية والصحية. كما اهتمت بانتقاد ظاهرة الفساد في أداء الإدارات الحكومية.
لقد صدرت الزوراء بأربع صفحات من الحجم المتوسط على الرغم من أن بعض مؤرخي الصحافة العراقية قد ذهبوا إلى أنها كانت تصدر بصفحتين أو بثماني صفحات، ولكن اعداد الجريدة الصادرة تشير وبشكل حاسم إلى أن صدورها كان بأربع صفحات على الرغم من أن الزوراء قد صدرت بشكل استثنائي في بعض الفترات بأكثر من أربع صفحات. وبشكل عام، كانت صفحات الزوراء الأربع مقسمة إلى قسمين: صفحتان باللغة التركية وصفحتان باللغة العربية وكانت الصفحتان العربيتان ترجمة حرفية للصفحتين التركيتين.
وكانت تصدر في بعض الأحيان باللغة التركية وحدها وربما يعود ذلك إلى عدم وجود محرر عربي في تلك الفترة أو إلى عدم إكتراث الإدارة الحاكمة بالطبعة العربية ومن ثم بالجمهور الذي ينشر له تلك الطبعة.
صحف عراقية أخرى
وخلال القرن التاسع عشر صدرت جريدة الموصل في مدينة الموصل في 25 حزيران عام 1885 وتوقفت أكثر من مرة وبشكل نهائي عام 1934 اما الجريدة الثالثة التي صدرت في العراق فكانت جريدة بصرة والتي صدرت في ولاية البصرة في 31 / 12 / 1889 وهي لسـان حال الحكومة العثمانية كسـابقتها وكان ذلك في فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني وتوقفت هذه الجريدة بعد إحتلال القوات البريطانية للمدينة عام 1914 اما أول مجلة أنشأت في العراق ولم تكن حكومية فهي مجلة / اكليل الورد/ التي أصدرها الآباء الدومنيكان في الموصل في كانون أول 1902 واستمرت في الصدور حتى عام 1909.وبعد اعلان الدستور العثماني في عام 1908 أتيحت الحرية التي منحها الإنقلاب الدستوري في إصدار المطبوعات اذ ظهر العديد من الصحف والمجلات في بغداد وبقية المحافظات. ولعل جريدة بغداد هي أول صحيفة اصدرها القطاع الخاص لصاحبها مراد بك في 6 اب 1908 وكانت تعبر عن لسان حال حزب الاتحاد والترقي وقد صدرت ثلاث مرات في الأسبوع وباللغتين العربية والتركية ثم اصدر عبد الجبار الخياط جريدة العراق في الأول من كانون الثاني عام 1909 وصدرت باللغتين العربية والتركية أيضا.
ومع ازدياد حجم العمل الصحفي وتوسعه بزيادة اعداد الصحف الصادرة والعاملين فيها ولضمان حقوقهم بدأ الصحفيون بالتفكير جديا بإيجاد منظمة ترعى حقوقهم وتضمن جزءا من حريتهم التي لابد ان تتقاطع وسلطة الحكام والولاة..
استحداث نقابة للصحفيين
موضوع قيام جمعية أو نقابة للصحفيين قد أثير في وقت مبكر من تاريخ العراق الحديث، وتكررت أثارته عدة مرات قبل نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939، حين عبرت الكثير من حكومات النظام الملكي في تلك الفترة عن أهتمامها بمثل هذه الفكرة، دون أن تضعها موضع التنفيذ، وربما كانت تلك الحكومات تهدف من وراء إثارتها لمسألة نقابة الصحفيين، فرض قيود رسمية على النشاط الصحفي.
وورد في المادة الأربعين من قانون المطبوعات الأول الذي وقعه الملك فيصل الأول، ورئيس الحكومة نوري السعيد، ووزير الداخلية مزاحم الباجه جي، ووزير العدل جمال بابان ان للحكومة الحق في إصدار نظام يتعلق بكيفية تأسيس نقابة للمطبوعات والصفات اللازمة لتعيين المخبرين والمراسلين الصحفيين وقد وافق عليها مجلس النواب في 13 مايس عام 1931.
وتؤكد المصادر التاريخية أن نوري ثابت صاحب مجلة (حبزبوز) أشهر مجلات العراق آنذاك، كان في طليعة المنادين لقيام نقابة للصحفيين، وكتب في 10 تشرين الثاني عام 1931، بأن قيام النقابة سيساهم في إنقاذ الصحافة من الفوضى التي تعاني منها.
ولم تكن الظروف السياسة آنذاك مستقرة، فشهد العراق إضرابات ومظاهرات وتجمعات، أغلبها ضد المعاهدة البريطانية، وضد رسوم البلدية ورسوم الكهرباء، حتى أنها أطاحت بوزير الداخلية مزاحم الباجه جي الذي أدار قمع أجهزة الأمن والشرطة للمضربين والمتظاهرين، وبعدها بفترة قصيرة استقال نوري السعيد، ليكرر رئيس الوزراء الجديد رشيد عالي الكيلاني عام 1932، محاولة استحداث نقابة للصحفيين، وأدخلت حكومته نصاً مماثلاُ إلى قانون مطبوعات جديد أيضاً، دون نتيجة.
وأشارت صحيفة (الاستقلال) لصاحبها عبد الغفور البدري، مرتين في 3 و17 تشرين الثاني 1936، أي بعد شهر من الانقلاب العسكري، إلى أن، رئيس الحكومة حكمت سليمان، قد تداول مع عدد من الصحفيين في موضوع تشكيل نقابة خاصة بهم، وأن ستة من أصحاب الصحف اجتمعوا، بعد ذلك بأسبوعين، للتداول فيما بينهم وليكونوا أول لجنة في تاريخ العمل النقابي للصحفيين العراقيين وهم: عبد القادر إسماعيل البستاني، صاحب صحيفة (الأهالي) ورزوق غنام، صاحب صحيفة (العراق) ويونس بحري، صاحب صحيفة (العقاب) ونوري ثابت، صاحب مجلة (حبزبوز) وميخائيل تيسي، صاحب صحيفة (الناقد) وأنور شاؤول، صاحب صحيفة (الحاصد).
وتشير المصادر التاريخية إلى أن جماعة الأهالي، النشطة سياسياً وثقافياً وصحفياً آنذاك، والممثلة في حكومة الإنقلاب بعدد من الوزراء بينهم، كامل الجادرجي، كانت صاحبة الفكرة الأولى لتأسيس نقابة الصحفيين، خصوصاً وأن عبد القادر البستاني كان أحد أبرز مؤسسيها وقادتها، وأن مؤسس الجماعة الآخر، حسين جميل، شغل منصب مدير الدعاية العام، والمسؤولة عن الصحافة آنذاك، وأن رئيس الحكومة حكمت سليمان، نفسه كان عضواً في الجماعة قبل أن يتخلى عنها، ويناهضها عندما أصبح رئيساً للوزراء.
وأتفق الصحفيون في اجتماع، عقدوه في مقر صحيفة العراق في 17 تشرين الثاني عام 1936 للبحث في نظام النقابة الا ان هذه المحاولات فشلت نتيجة الظروف السياسية التي كانت سائدة آنذاك وانضمام الصحف وأصحابها إلى هذا الطرف أو ذاك في المعارك السياسة، وتبادل الاتهامات حول الموقف من الانقلاب العسكري.
وشهد عام 1944، محاولة جديدة لتأسيس تنظيم نقابي للصحفيين، عندما أجتمع أصحاب الصحف في 12 كانون الأول عام 1944 في مقر (صوت الأهالي) التي أصدرها كامل الجادرجي. وناقشوا مشروع تأسيس نقابة للصحفيين، ونشرت هذه الصحيفة في اليوم التالي ما تم الإتفاق عليه حول الشروع في تشكيل نقابة الصحفيين في بغداد، ودعوة الحكومة لإصدار النظام المتعلق بتشكيل النقابة وكذلك الاحتجاج لدى الحكومة على تجاوز الرقابة على الصحف حدود سلطاتها القانونية بمذكرة يوقعها أصحاب الصحف.
تأسيس أول تنظيم نقابي
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية دب النشاط في صفوف السياسيين والصحفيين لتشكيل الأحزاب والجمعيات، فنجح الصحفيون في تأسيس أول تنظيم نقابي لهم، أسموه (جمعية الصحافة العراقية)، روادها اثنان من قادة الأحزاب الوطنية وهما كامل الجادرجي من الحزب الوطني الديمقراطي وأصبح رئيساً للجمعية وسلمان الصفواني من حزب الاستقلال صاحب صحيفة (اليقظة) واصبح سكرتيراً عاماً لها حيث حصلت عام 1948 على حق الإشراف على توزيع الإعلانات الحكومية والقضائية على الصحف اليومية والأسبوعية مع خصم عمولة للجمعية بنسبة عشرة بالمائة.
ولم تشهد السنوات المتبقية من عمر النظام الملكي في العراق أية محاولة أخرى لصالح أحياء التنظيم النقابي للصحفيين، بل أن مثل تلك المحاولات كانت ضرباً في المستحيل بعد أن تولى نوري السعيد مقاليد الحكومة مرة أخرى وأصدر عام 1954 مراسيم تحظر الصحف والمجلات والأحزاب والجمعيات، لتمهيد الطريق أمام إنشاء حلف بغداد الاستعماري.
بعد قيام النظام الجمهوري
وهكذا بقي الحال، على ما هو عليه، حتى ثورة 14 تموز 1958 والإطاحة بالنظام الملكي، وقيام النظام الجمهوري.
وبعد قيام النظام الجمهوري خطا العراق خطوات كبيرة نحو تشكيل الاتحادات والنقابات المهنية نتيجة التطورات الإيجابية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحفية، وفتح الباب على مصراعيه لتأسيس النقابات والجمعيات والمنظمات المهنية بشكل لم يشهد العراق له مثيلاً في السابق.
وذكر فائق بطي في كتابه (الموسوعة الصحفية) أن 45 صحفياً، اجتمعوا في نادي المحامين في بغداد، وتدارسوا مشروع تأسيس نقابة للصحفيين، وأتفقوا على اختيار لجنة تأسيسية ضمت 11 صحفياً لإعداد الترتيبات الأولية للمشروع، والحصول على الموافقات الرسمية وهم: محمد مهدي الجواهري، صاحب صحيفة (الرأي العام) ويوسف إسماعيل البستاني من صحيفة (اتحاد الشعب) وعبد الله عباس، صاحب صحيفة (الأهالي) وعبد المجيد الونداوي، رئيس تحرير صحيفة (الأهالي) وصالح سليمان من صحيفة (صوت الأحرار) وفائق بطي، صاحب صحيفة (البلاد) وموسى جعفر أسد، من صحيفة (الثورة) وحمزة عبد الله من صحيفة (خه بات) الكردية وصالح الحيدري، من صحيفة (خه بات) أيضاً وحميد رشيد، صحفي محترف وعبد الكريم الصفار، صحفي محترف أيضا.
وفي عام 1959 تم تشكيل أول نقابة للصحفيين بشكل رسمي تولى مهامها الشاعر محمد مهدي الجواهري كأول نقيب للصحفيين العراقيين.
محمد مهدي الجواهري أول نقيب للصحفيين