أ.م. ژینۆعبدالله- جامعة السليمانية
في هذه الأجواء المشحونة بالتوتر النفسي، وبعد انتهاء عناء الالتزامات الجامعية وانقطاع طال عن القراءة ومشاهدة الأفلام، أحب دائماً أن أبدأ بقراءة رواية تشحذ شهيتي للقراءة من جديد. وبعد نقاش مع صديقي الصحفي والمخرج المتابع للأجواء الثقافية شادمان محمد، اخترت قراءة رواية “الأشجار تمشي في الإسكندرية” للأديب الدكتور علاء الأسواني.
في الحقيقة، لم يكن العنوان مغرياً بالنسبة لي، ولا غلاف الرواية، ولكن بسبب قراءتي السابقة لروايات أخري لعلاء الأسواني وإصرار صديقي علي قراءتها، بدأت رحلتي معها.
الرواية تستحق القراءة بجدارة، فهي عمل واقعي تاريخي يحلل نفسية المجتمع والسلطة العسكرية، ويسبر أغوار النفس الإنسانية وتقلبات الحياة، ويتناول مسألة المبادئ والثورة وضعف النفوس. باختصار مفيد، كل ما يتعلق بالسلوك الإنساني في أبعاده المختلفة.
لا أريد الخوض في تفاصيل الرواية كي لا أحرم القارئ من متعتها السردية، حيث استخدم الكاتب لغة سهلة رشيقة بسيطة، وصوراً فنية رائعة، والأهم من ذلك كله تجسيده للحالة النفسية من خلال الحوار الخارجي والداخلي للشخصيات.
من خلال قراءتنا نجد أنه رغم كون المكان الإسكندرية والزمن عهد جمال عبد الناصر والشخصيات معظمها من أصول أجنبية، إلا أن هذه المشاكل دائماً موجودة في مجتمعاتنا الشرقية: الظلم والكراهية والديكتاتورية، وسياسة ميكافيللي (1469-1527) “الغاية تبرر الوسيلة” للثوار الذين ينهبون كل شيء، وتأثير هذه الأمور علي الطبيعة الإنسانية لإخضاعها لرغبات المستبدين. وبسبب لقمة العيش، كيف يتنازل الإنسان عن كل المبادئ ويكون كالحرباء في المواقف.
عندما تنتهي الرواية، يتوقف كل قارئ نموذجي – كما وصفه أومبرتو إيكو (1932 – 2016) – ليقرأ حال مجتمعاتنا الشرقية وأحوالها وتكرار هذه الأمور، فيعيد التاريخ نفسه بصور مختلفة.
وأخيراً، من خلال إبداع الكاتب بلغة سهلة وبسيطة، يتوغل إلى أعماق نفوسنا ويتحدث عن همومنا ومعاناة الإنسان المتحضر والمهمشين وكل أنواع طبقات المجتمع. يمكن القول إن هذه الرواية وثيقة اجتماعية وتاريخية تستحق القراءة والتأمل.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.