الكاتب والصحفي .. حسب الله يحيى
نعم .. وبكل تأكيد, بات من المألوف أن نجد ظاهرة سلبية تملأ الشوارع العراقية، عن طريق إشاعة مهنة (التسول والاستجداء)، وعلى وفق أساليب وطرق مختلفة.
تارة عن طرق الاستجداء والحاجة الماسة للعيش في الحد الأدنى، وتارة عن طريق اتخاذ العوق الجسدي سبيلا للاستجداء أو اعتماد الباعة الذين يبيعون المواد الرخيصة على الأرصفة والطرقات والشوارع، ضمن فئات جوالة، وأخرى تملأ الأسواق بالمتسولين، حتى غدت هذه (المهنة) إغراءً لأقوام آخرين أتوا من خارج العراق، ليتخذوا لانفسهم احتراف هذه المهنة، التي باتت تشكل ظاهرة بارزة في العراق.
ومع أننا نزعم أن العراق لديه مؤسسات تحمي المواطن من العوز، وتقدم له المعونة وتمنح له راتباً شهرياً يسد الضروري من حاجاته؛ غير أن الواقع يقول شيئا آخر، والصورة جلية وليس هناك من يرفضها أو ينكرها و يكذبها. فقد باتت تطور أساليبها بحيث تدق على الناس الأبواب, وتشكل خطرا على أمن وسلامة الناس، من دون حسيب ولا رقيب، حتى بتنا نجد من يتخذ من الأرصفة مكانا للاستلقاء والنوم والاستقرار في أماكن منتشرة في بغداد والمحافظات، من دون أن تفلح الدوريات، التي تشن حملة سريعة ليوم أو يومين, ثم تترك الأمور لتعود كما كانت.
ومثل هذه الصور المأساوية، التي نشهدها في شوارعنا، تقدم صورة مكبرة لحجم وسعة وخراب الواقع الاجتماعي المر، الذي تعيشه فئات عديدة من البشر ـ سواء كانت بها حاجة فعلية للحياة أو اتخاذها مهنة، يقف وراءها أشخاص وحتى شركات ـ فإنها ظاهرة غير مقبولة في عراق، يعرف القاصي والداني انه بلد غني بثرواته.
إنَّ الفوارق الاجتماعية التي تطبع الواقع الراهن، لا بدَّ أن يوضع لها حد, وأن يكون لها قانون ينظم الحياة الاجتماعية، من دون هذه الفوارق الشاسعة التي نجدها في مجموعات تعاني من التخمة وأخرى تعاني من شظف العيش، وذلك عن طريق تنظيم سلم الرواتب والاطلاع على أحوال العراقيين جميعا.
واذا كانت الفئات الاجتماعية تعيش الفاقة والعيش من دون المستوى المعقول للحياة، فأن هناك فئات اجتماعية تعاني من ضغوط الأموال عليها، بحيث لا تعرف سبيلا لغسلها في أمور لا تعني مصالح الفئات المعدمة والفقيرة، والتي لا ظهير سياسياً أو فئويا أو عشائريا أو طائفيا أو مناطقي يحميها.
إنَّ معاناة العراقيين باتت معاناة لا تطاق، وهي احوال لم تعد تصغي ولا تهتم بهذه الصراعات السياسية، التي اكتشف كل عراقي انها لا تمثله ولا تعبر عنه وليس لها علاقة به، وإنما هي صراعات مصالح ومناصب وعقد تعويض عن ماضٍ، لم يعد مبررا للاستحواذ على ثروات البلاد, ذلك أن الوطن ليس مكانا مهجورا او عرضة للنهب والحرق و التدمير.
إنَّ من يريد بناء الوطن فعلا, لا بدَّ أن يرى الظواهر السلبية، التي تجتاح البلاد وترهق الناس وتثقلهم بالهموم والانكسارات والخيبات كل يوم, في وقت لم يعد احد يحس بأن يوما ما سيجيء لانتشاله من العوز والفاقة والجوع والمرض والجهل.
ترى هل هناك من يصغي؟