أ.م. ژینۆ عبدالله – جامعة السليمانية
نعيش اليوم في عصر سريع، مليء بالأسئلة الكبيرة حول معنى الحياة. وفي وسط هذا الزحام، نلاحظ ظاهرة مثيرة: الكتّاب والروائيون – حتى من لا يؤمنون منهم – يعودون إلى عالم التصوف. هذا العالم الذي يبدو معقداً من الخارج، لكنه يحمل في باطنه أسرار الروح الجميلة.
فما السر وراء هذه العودة؟ وما الذي يجذب هؤلاء الأدباء إلى هذا المنبع الروحي العميق؟
إن أبسط تعريف للتصوف هو محاولة الهروب من ضجيج الحياة المعاصرة والولوج إلى عالم الروح والتأمل. هذا الجانب الذي يفتقده الإنسان المعاصر بشدة، والدليل على ذلك انتشار اليوغا والتأمل في الغرب وأمريكا. فالإنسان – مهما بلغ من المادة – لا يستطيع أن يُشبع روحه بالمال والجاه، وهذا الفراغ الروحي لا يملؤه سوى البحث عن المعنى وسبر أعماق الروح.
يقول ابن العربي (1164م-1240م) إن العلوم ثلاثة: أولاً العلم التجريبي الذي ينظر إلى الشيء ويقيم عليه الدليل، وثانياً علم الأحوال، وثالثاً علم الأسرار. هذا الأخير لا بد فيه من الذوق والممارسة، كما يقول المثل الشهير: “من لم يذق العسل لا يمكن أن يعرف طعمه”. من خلال هذا المفهوم نحاول أن نجيب على السؤال الذي طرحناه في بداية هذا المقال.
في قراءة حديثة لكتاب الباحثة والأكاديمية التونسية أسماء خوالدية بعنوان “الرمز الصوفي: بين الإغراب بداهة والإغراب قصداً”، نجد أنفسنا أمام عمل يجسد هذا التوجه المعاصر نحو الأدب الصوفي. الكتاب الذي يقع في 200 صفحة يقدم نموذجاً واضحاً لهذه الظاهرة.
من خلال قراءة نقدية متأنية، نجد أن النص الصوفي يحتاج إلى الرمز والتأويل، فلغة الصوفية لها طابعها الخاص، وهذا ما يثري النص ويمنحه عمقاً خاصاً. للوصول إلى الرمز والمصطلحات الصوفية، لا بد من التعمق في اللغة الغنية والسيميائية، حيث كل فقرة تحتاج إلى تأويلات عميقة. هذه اللغة الغنية التي لا نظير لها في الأدب، خصوصاً في فن السرد.
الأدب الصوفي الشرقي غني بما لا نظير له في العالم، وهذا ما يجعل إحياء هذا التراث والموروث يحتاج إلى سليقة الكاتب القادر على أن يدخلنا إلى الحاضر. هذا الأدب متصالح مع الوجود بالمصطلح المعاصر، فيه عالمية من حيث الإنسانية تجذب القراء، خصوصاً التصوف الشعبي البعيد عن تعقيدات الفلسفة الصوفية.
وأخيراً، أريد أن أختتم بهذا البيت الخالد لابن الفارض (1181م-1235م)، الذي كلما انشغلت بالأسئلة أردده معي، وأريد مشاركته مع القراء:
شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامةً
سَكِرْنا بها، من قبلِ أن يُخلِق الكَرمُ


