كركوك / رزكار شواني
تمرّ هذه الأيام الذكرى الخامسة على رحيل أحد أبرز أعلام الرياضة والتحكيم الكروي في العراق، الراحل محمود نورالدين سلمان، المعروف بين أصدقائه وزملائه باسم “سيد محمود”، الذي ظلّ حتى لحظاته الأخيرة مخلصاً لمهنته، ومتفانياً في خدمته لكرة القدم، ومؤمناً برسالة التحكيم النزيه والشفاف، تلك الرسالة التي أحبها وكرّس حياته لأجلها.
بدايات مشرفة ونشأة رياضية
ولد محمود نورالدين في عام 1963 في منطقة المصلى بمدينة كركوك، وترعرع في بيئة متواضعة لكنها غنية بالقيم والمبادئ. منذ صغره، كان يميل إلى الرياضة ويعشق تفاصيلها، إلا أن بوصلته اتجهت نحو التحكيم، تلك المهنة التي تحتاج إلى الصبر والدقة والعدالة.
في عام 1989، كان اللقاء الأول بيني وبينه، في ملعب التسعين الشعبي بكركوك، خلال المباراة الختامية لإحدى بطولات الفرق الشعبية التي أشرف على تنظيمها. كان مشرفاً نشيطاً، يقظاً، مضيافاً، ويمتلك حضوراً يفرض الاحترام. بادر بدعوتي لتغطية الحدث صحفياً، وكان ذلك اللقاء بداية صداقة إنسانية ومهنية نعتز بها.
صعود سريع نحو التحكيم الدولي
بفضل جديته والتزامه، سرعان ما أصبح محمود حكماً اتحادياً، ثم ما لبث أن حصل على الشارة الدولية، ليشارك في إدارة عشرات المباريات على صعيد الدوري العراقي الممتاز، إضافة إلى بطولات محلية ودولية في بغداد، والمحافظات، وكوردستان، وحتى الدول العربية والأجنبية.
كان مثالاً للحكم العادل، والحيادي، صاحب صفارة لا تعرف التحيّز، وقراراته غالباً ما كانت محل إشادة من الجماهير واللاعبين والمحللين على حد سواء. الصحافة الرياضية العراقية والعربية تناولت اسمه مراراً، وأشادت بإمكاناته ومهنيته العالية.
بصمات واضحة في مؤسسات كروية
لم يكن الراحل مجرد حكم دولي ناجح، بل كان له دور إداري وتنظيمي فاعل أيضاً. فقد شغل عضوية اتحاد كركوك لكرة القدم في فترة رئاسة الراحل محمد بله، وكان أيضاً رئيساً للجنة حكام كركوك التابعة للجنة الحكام في الاتحاد العراقي لكرة القدم، حيث قدم جهداً كبيراً في تطوير قدرات الحكام المحليين.
ساهم في تأهيل وتدريب أجيال جديدة من الحكام الشباب من مختلف قوميات وأطياف كركوك، وكان حريصاً على نشر ثقافة التسامح والتآخي بينهم. كما ساهم في إثراء الساحة الكروية في إقليم كوردستان، حيث أشرف على عدد من مباريات دوري كوردستان، وقدّم عصارة خبرته دعماً للتحكيم هناك.
رحيل مبكر وذكرى باقية
فقدت كركوك والعراق قامة رياضية بارزة بوفاته، ولكن بقيت ذكراه حيّة في قلوب كل من عرفه، وتلامذته، وزملائه، وكل من مرّ به في ملاعب الوطن. كانت علاقته بالوسط الرياضي، سواء في كركوك أو بغداد أو أربيل، مثالاً للمودة والاحترام، ولم تخلُ مسيرته من الشهادات والأوسمة التي نالها عن استحقاق.
واليوم، ونحن نستذكره في الذكرى السنوية الخامسة لرحيله، لا يسعنا إلا أن نترحم عليه، وندعو الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يبقى اسمه مخلّداً في سجلّ الرياضة العراقية، مثالاً يُحتذى به في النزاهة والعطاء والتفاني.
رحم الله “أبا صفاء”.. وجعل مثواه الجنة.