الكاتب والصحفي.. أحمد عبد الحسين
دولتان متروكتان في أفق انتظارٍ يبدو أبدياً؛ العراق ولبنان. إذْ كلّ شيء في هاتين الدولتين المصلوبتين متوقّف بانتظار أمرٍ شبيه بالمعجزة وهو لن يحدث على الأغلب. تحطّمَ فيهما مرة وإلى الأبد ذلك الناظم الذي يجعل من أرض وشعب ونظامٍ دولة تعرف ما تريد.
الأرض وحدها لا تصنع دولة، والشعبُ؟ فئة لا يستهان بها تسعى في صميمها إلى أن تكون خادمة لمشاريع دولة أخرى طواعية وعن طيب خاطرٍ، وبقعقعة سلاح إذا لزم الأمر. وفئة أخرى أعطتْ دماً ودموعاً من أجل أن تنزل من صليبها بلا جدوى. أما النظام فقد جربناه ديكتاتورياً فكثرتْ مقابرنا الجماعية وها نحن نجربه ديموقراطياً وبعد كلّ عرس ديموقراطي، تتعطّل بنا الحياة ونقف في أفق الانتظار الأبديّ ذاته.
الانتظار ممضّ وعسير. قيل إن أفضل العبادة الانتظار لأن أجر العبادة على قدر المشقّة، والانتظار شاقّ. وليس عبثاً أن نيتشه قال :”إنّ الانتظار يفسد أخلاق المرء”، وهو يورث قسوة القلب كما في النص القرآني “فطال عليهم الأمد فقستْ قلوبهم.”
في انتظارك الطويل لما لن يحدث يلعب العبث معك لعبته الكبرى، ويمكنك أن تتوقع كل شيء وصولاً إلى الجنون الجماعيّ. كتب “بيكيت” مسرحيته “في انتظار غودو” عن عبثٍ كهذا يخلقه الانتظار، فأصبح غودو أيقونة العبث وأصبح انتظاره انتظار ما لا وجود له، جهداً لا معنى له ولا طائل من ورائه، مؤذياً وينذر بالكوارث.
وإلا ما الذي ينتظر مَنْ لا ينتظر شيئاً؟
العملية السياسيّة التي تُستَخرَج منها الحلول في سائر الدول صارتْ هنا هي المعضلة، والسياسة التي هي فنّ تدبير المعيشة صارتْ فنَّ التنكيل بالناس وسرقتهم عيني عينك وإذلالهم، والبقيّة الباقية من الشعور الأدنى بالوطنية يُسحق تحت أقدام رجال بواسل يدافعون عن مشاريع عابرة للحدود والخرائط والوطنيات.
في منطقة كهذه كتب بيكيت “لا شيء يحدث ..لا أحد يجيء”، وفي منطقة كهذه يمكن للعبث أن يضرب ضربته القادرة على تحويل الجميع إلى فرائس للجنون
بتراجيديا عميقة، العراق ولبنان على صليبيهما ينتظران غودو الذي هو لا أحد.