الكاتب..حمد حسن الساعدي
العراق وعلى طول فترة ولادته التاريخية يمتلك رمزية دينية عالية، لا سيما في النجف وكربلاء، ما يمنحه دورًا في توجيه الرأي العام الاسلامي عموماً والشيعي تحديداً في المنطقة، بالاضافة إلى أن بغداد لا تزال تمثل مركزًا ثقافيًا وإعلاميًا مهمًا، يمكن أن يسهم في إنتاج خطاب عقلاني جامع يواجه خطابات التطرف والانقسام، كما هو الحال للعتبات الدينية والتي لها دور مؤثر في الدبلوماسية الناعمة، وقد استُثمر ذلك جزئيًا في الحوار بين الأديان.
منذ سقوط النظام السابق في عام 2003، بات العراق طرفًا رئيسًا في خارطة الصراع الإقليمي، سواء بصفته ساحة صراع بالوكالة أو فاعلًا يسعى لاستعادة دوره السيادي، كما أن موقع العراق الجغرافي بين إيران والخليج وتركيا وسوريا، وتركيبته السكانية والسياسية المعقدة، جعلاه أحد أهم مفاتيح التوازن أو التفجر في المنطقة، ومع وجود قوات أميركية وقواعد عسكرية أجنبية من جهة، وقوة مسلحة ترفض هذا التواجد وتطالبها بالرحيل، أصبح العراق ساحة للتجاذب بين واشنطن وطهران، هذا الواقع جعل أي توتر إقليمي ينعكس سريعًا على الأمن الداخلي العراقي.
الحكومات العراقية المتعاقبة لعبت دور الوسيط والتهدئة في أكثر من مرة، حيث احتضن العراق حوارات بين إيران والسعودية، في محاولة لرأب الصدع في الإقليم، ما يعكس رغبة حقيقية في أن يتحول العراق من ساحة نزاع إلى منصة للحوار الإقليمي، كما أن اهم التحديات التي تعيق الدور العراقي هو الانقسام الداخلي والمتمثل بالانقسام السياسي والطائفي والذي يضعف القرار الوطني ويُدخل العراق في محاور إقليمية متضادة، بالاضافة إلى النفوذ الخارجي وتعدد الولاءات والتأثيرات الإقليمية داخل القوى السياسية والأمنية العراقية التي تحد من استقلالية القرار، كما هو الحال بالوضع الاقتصادي والأمني، إذ إن الأزمات الاقتصادية المستمرة، وضعف فرص الاستثمار يضعفان قدرة العراق على فرض رؤية استراتيجية مستقلة.
العراق مقبل على متغيرات كبيرة مهمة في شتى المجالات وأن يستعيد موقعه الإقليمي المحوري عبر سياسة خارجية متوازنة تربط بين جميع الأطراف دون الانحياز الكامل لأي محور وتقوية الدولة المركزية ومؤسساتها، لضمان استقلالية القرار الوطني، والسعي في استثمار دوره الجغرافي كبوابة للتجارة والطاقة، لتعزيز نفوذه الاقتصادي والسياسي، لان بلدا مثل العراق ليس مجرد متأثر بصراعات المنطقة، بل هو أحد مراكز ثقلها.
وإذا ما نجح في تحقيق الاستقرار الداخلي، واستقلالية القرار السياسي، فبإمكانه أن يلعب دورًا مهمًا في التهدئة الإقليمية، لا سيما بين المحاور المتصارعة، وأن يتحول من ساحة نفوذ إلى دولة مؤثرة في صنع موازين المنطقة، وعلى الرغم من أن العراق يملك كل عناصر القوة، إلا أن غياب الاستقرار السياسي، وضعف مؤسسات الدولة، واستمرار نظام المحاصصة، أدى إلى تراجع دوره الإقليمي، وتحوله في بعض الأحيان إلى ساحة صراع بدلاً من كونه طرفًا فاعلًا، غير أن التحولات الإقليمية والانفتاح العربي والدولي على العراق، تمنحه فرصة حقيقية لإعادة صياغة دوره، خاصة إذا استطاع أن يعزز وحدته الداخلية، ويحارب الفساد، وينهض باقتصاده.
العراق اليوم يمكن ان يمارس دوره كـ”قوة توازن” بين المحاور المتصارعة، بدلًا من الانخراط في محاور متضادة، فالعراق يمكن أن يكون جسراً للحوار بين اطراف متعددة وبين الشرق والغرب. وتحقيق هذا الدور يتطلب دعمًا سياسيًا داخليًا، واستقلالية القرار الوطني، بعيدًا عن الهيمنة الخارجية، كما أنه اليوم أمام مفترق طرق إما أن يبني على مقوماته ليلعب دورًا وطنيًا وإقليميًا متزنًا يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة، أو يبقى رهينة الصراعات الداخلية والخارجية.
إن مستقبل المنطقة لا يُرسم بدون العراق، لكنه لن يكون فاعلًا ومؤثرًا، إلا إذا توحد داخليًا وامتلك رؤية استراتيجية واضحة في سياسته الخارجية.
الصباح