المؤشرات في المعادلة السياسية واحتمالية التغييرات في المنطقة ليست واضحة للجميع بعد، ولكن يلاحظ أن هناك تحركا إقليميا ودوليا ليس من الواضح بعد بأي اتجاه تسير وإلى أي مدى ستكون في مصلحة الشعوب المظلومة في الشرق الأوسط ولا سيما الشعب الكردي.
ما يُشاهد ويلاحظ في هذه المرحلة الحالية، انه في ظل التحركات السياسية والعسكرية الموجودة في المنطقة، تَشَّكل ضغط على الشعب الكردي في جنوب كردستان وغربها وكأن هناك إرادة لتوجيه نجم حظ الكرد نحو الخفوت.
لاعبو تلك التحركات المباشرون معروفون إلى حد ما، لكن لا تزال مواقف ووجوه الذين أشعلوا لهم الضوء الأخضر وراء الكواليس غير ظاهرة رسميا حتى الآن.
إن كردستان العراق بما فيها الإقليم معترف به في الدستور والمناطق المستقطعة، تواجه منذ سنوات المعاناة واختلاق المشاكل بقرار وتخطيط بعض القوى والأطراف. هؤلاء جعلوا قرارات المحكمة الاتحادية وبعض الفقرات المطاطية من الدستور أداة لخلق الضغوطات وتنفيذ مآربهم. فبالإضافة إلى مسألة الرواتب والمستحقات المالية للإقليم والتي خنقوا بها مواطني كردستان، بدأت من جديد عملية تعريب المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم بطرائق مختلفة وبشكل مكثف وقد تم تسخير السلطات العسكرية والإدارية العليا للدولة من أجل ذلك.
وعن طريق المنافذ ونقاط التفتيش يفرض بين الحين والآخر حصار اقتصادي مركز على مواطني الإقليم ولا يسمح لهم بتسويق منتوجاتهم الزراعية في وسط وجنوب العراق، في حين تستورد بغداد جزءا من تلك الاحتياجات من البلدان الخارجية. وكذلك الأطماع في الحقول الغازية والنفطية لكردستان هي أسباب أخرى لمساعي بغداد الزحف في هذه المرحلة نحو (الشمال!).
إن إقليم كردستان وشعبه، وحكومته، ومؤسساته ومنجزاته المتحققة بدماء الشهداء في خطر كبير وسط تلك الدوامة السياسية والعسكرية والديموغرافية. وفي الداخل، فإن البرلمان انتُخب منذ نحو ثمانية أشهر ولا تزال غير مفعّلة، ولم تُشكل الحكومة، وانتشر عدم الإنصاف والتقصير الإداري والفساد في جزء من القطاعات ويكاد يصبح ظاهرة. وأنهك انعدام الخدمات الضرورية بعض المواطنين وأصيب أسواق كردستان بسبب انعدام الرواتب وعدم الاستقرار السياسي بالشلل وانعدام الأعمال والتجارة، وقد زادت هذه الأمور المخاطر على وجود الإقليم وشعبه أكثر. فضلا عن ذلك، فإن ضعف أداء وإمكانية جزء بارز من ممثلي الكرد في البرلمان ومؤسسات الدولة في بغداد، حيث لا يتقنون اللغة بشكل تام وقدراتهم الدبلوماسية وعلاقاتهم ضعيفة ولا خبرة لهم في فن التفاوض، بمعنى عدم وضع الأشخاص المناسبين للوظائف والمناصب في بغداد، مخاطر وأسباب أخرى أدت إلى إفتعال أزمات مختلفة للإقليم من دون أن يتمكن ممثلو الكرد من منعها كما يجب من هناك ومن دون أن تُرفض مطالب وحقوق الكرد الدستورية في العاصمة العراقية.
وفي هذه الظروف الصعبة، فإن الأطراف الكردستانية، لا سيما الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، من واجبها أن تسعف شعبها وتنقذها من هذه الظروف الحالية الصعبة بأسرع وقت ممكن، وذلك عبر تشكيل حكومة متينة وخدمية وشفافة وكذلك تنشيط البرلمان، وتعيين أشخاص مناسبين وذوي خبرة ومتمكنين في المناصب ومفاصل الحكومة والبرلمان سواء في كردستان أو في بغداد، وإعادة تنظيم الواردات المحلية والنفط والمنافذ الحدودية ومنع الفساد والظواهر الأخرى في القطاعات.
إن الشعب يتطلع إلى القوى الرئيسة على الساحة الكردستانية والحكومة المقبلة، لتخطو خطوات جريئة لتحسين الوضع المعيشي ومستوى الخدمات؛ لأنهم يعرفون أن هذه المهام والأهداف ستتحقق على يد الكرد أنفسهم. وبهذه الخطوات، ستُخلق الثقة من جديد قبل كل شيء وفي الوقت نفسه سيكون بإمكاننا التغلب على بعض الأزمات وتعزيز مكانة ودور الإقليم أكثر.