د.ژینۆعبدالله.
إن الحنین الی الماضي أو کما یحبذ البعض أن یشیر إلیه بالکلمة الإنجلیزیة نوستالجيا یکاد أن یکون شعورا عالمیا موجودا بین بني البشر اجمعین في شتی اصقاع المعمورة. ولعل من یتابع منصات التواصل الاجتماعي و لاسیما الفیسبوك یدرکون مقدار الإهتمام غیر المسبوق بذکریات أیام الزمن الجمیل أو جیل الطیبین او الجیل الذهبي کما ینادیهم البعض عبر ایجاد فیدیو کلیبات الأغاني من تلك الفترة أو أخذ مقاطع قصیرة من نتاجات تلفزیونیة للکبار والصغار علی السواء في شتی مجالات الإنتاج من مسلسلات وأغاني وبرامج ترفیهیة وریاضیة وما إلیها التي تتم مشاهدة البعض منها لملایین المرات. کما أن أصحاب الحسابات الشخصیة والقائمین بعمل الأدمن في الصفحات المختلفة سرعان ما یبادرون الی ذکر(منشن) الاصدقاء الذین قد یشارکونهم نفس الذکریات الجمیلة التي باتت الآن مادة جمیلة ومدرة للمشاهدات الکثیرة.
ولیس خافیا أن الآغاني مثل العطور ترجع بالمرء الی اللحظة التي کان فیها أو المکان الذي کان فیه أو الشخص الذي کان معه حین ما إستمع لأول مرة إلی أغنیة ما، تماما کما یسترجع المرء ذکریاته مع رائحة عطر أو معطر ما أو حتی قولونیا ما بعد حلاقة اللحیة المستخدمة من قبل الوالد أو الاخ الأکبر أو الشخص نفسه في سنوات قد مضت.
ومن هذا المنطلق تعد الآغاني من الذكريات الجميلة بامتیاز وهي من الدعامات القویة للإبقاء علی حيوية الحنین الی سابق الازمان لدی اي شخص تواق للذكريات الجميلة والراقية.
یصف الفيلسوف احمد أمين في كتابه القيم “حياتي” مراحل الدراسة الجامعية بفترة ربيع العمر وذلك لکثرة ذکریاتها من حیث العلاقات الشخصية والدراسة العلمیة والصداقات الجدیدة و اللقاء بالأصدقاء القدامی من المراحل الدراسیة الإبتدائیة منها والمتوسطة والإعدادیة. فضلا عن الاغنیات الرائجة التي کانت تواکب المرء في تلك الفترة من العمر في حلە وترحاله، في بٶسه وسعده ، في عطلته و دوامه، في مسکنه وخارجه، في دکان أبیه أو أخیه أو أحد جیرانه، في یوم أوفه (عطلته) بالجامعة ویوم إمتحانه.
فهناك منا من عاش هذه اللحظات قد لا تکون مبالغة إن قیل حرفیا مع أغنیة “یاناس” لأمیر الحب، هیثم یوسف الشاب العراقي الوسیم والحساس في ٩٤، في خضم المآسي والآلام إبان الحصار الاقتصادي المزدوج علی کوردستان حیث أُهلك فیه الحرث والنسل وأُنهك أعزةُ أهله لشدة محدودية دخلهم والمصاعب والمصائب التي لم تکن تأتي فرادی. فالأغنیة تلك کانت متداولة بشکل یقال عنه الآن في زمن السوشیال میدیا بالفایروسي أو فایرال بدون لا وسائل تواصل إجتماعي ولا هم یحزنون. وفي ظل إنعدام کبیر حتي لأبسط الأشیاء مرات. وعلی الرغم من تلك المآسي والآلام إلا أن هناك شعورا بأن تلك السنوات لم تکن خالیة من ذکریات جمیلة مرتبطة ببساطة العیش وصدق المشاعر وقناعة الأنفس ومعیة الأهل والأحبة دون أقنعة و زیف ونزغ ونکران. و یقول البعض بأن مما جعل من تلك السنین اجمل مراحل العمر، هو عدم الإهتمام بالمظاهر والشکلیات الفارغة وعدم التقلید و المحاکاة الزائفة وتواجد غالبیة الناس في مستویات متقاربة من العیش و الحیاة الکریمة.
وعلی مستوی شخصي فإن تواجد أمیر الحب في السلیمانیة یشکل تحولا من النوستالجیا الی لحظة التقاء بمطرب الذي کان بمثابة العبق المکنون في ذكريات ذلك زمن الجميل. فأغانیه إمتزجت بجزء كبير من اوقاتنا وخاصة بنادي الجامعة حیث کنا نستمع فیه الى اغاني هذا الشاب الانيق الذي یحترم فنه الأصیل ویقدمه بمستوی راق وخصوصا البومه لسنة 2000 ” أمير الحب” الذي اعتبره وحتی الوقت الحاضر اجمل البوماته وأکثرها قربا من المستمعین. ليس لان لدي ذكريات جامعية معه، بل لآن هذا البوم بالرغم من مرور 22 سنة لازال يسجل رقمآ قياسيآ بين جميع البومات المطربين. فلايزال يتناوله الجميع ويستمتع بسماعه وكانه صدرحديثا لكونه البوم قد سبق عصره بما احتواه من جديد بكل شيء بطريقة انيقة وراقية في تنوع الاغاني والكلمات والموسيقي التي ابدع في تاليفها الموسيقارالعراقي نشوان طلال وكذلك الحان وغناء هيثم يوسف الساحر وحتی الايقاعات التي طرحت كانت لاول مرة في تاريخ الاغنية العراقية وابداعیة. فهذا الالبوم باق في نفوس كل من وضع فيه بصمته كتحفة فنية قیمة نفتخربها. کما أنها أضافت للاغنية العراقية في تللك الحقبة. جمالا ورونقا وبهاءا.
لا شك في أن أحد مميزات هذا الفنان هو كلمات اغانيه العذبة من مفردات بغدادية اصيلة تجسد الصدق في مشاعره وكلمات غير مألوفة مما نجح في إختبار الزمان و بقت عالقة في الأذهان مما أکسبت هذا المطرب مکانة مرموقة لم یستطع البعض الی بلوغها بفنهم الذي أمسی هابطا. غیر أن هذا الفنان البغدادي احترم جمهوره وفنه ونأی بنفسه من البارات وقنوات الرقص وقد وصف البعض هذا النهج بالغرور بدلا من الرزانة و الرصانة التي تلیق بأمیر الحب الذي سوف یقیم حفلا لعشاق صوته بالسلیمانیة.
ختاما نقول حللت أهلا و نزلت سهلا بالسلیمانية وارجوا ان نستمتع بهذه الحفلة المرتقبة بأمل الرجوع الى ذكرياتنا الجميلة وأن نمتع أسماعنا باغانيه الراقية وان نعيش جوا غنائیا طربیا بغداديا اصيلا بالسلیمانية.