شراكة دستورية أم منطق الأغلبية
منذ إقرار الدستور العراقي الدائم عام 2005، كان الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية إلى جانب العربية خطوة مهمة نحو تأسيس عراق اتحادي يعترف بالتعددية القومية والثقافية. إلا أن ممارسات بعض مؤسسات الدولة الاتحادية في السنوات الأخيرة — من خلال إصدار تعليمات تقيد استخدام اللغة الكردية في الدوائر الرسمية والجامعات ثم التراجع عنها بعد الضغوط — تثير تساؤلات جدية حول مدى التزام الدولة بروح هذا الدستور، وتفتح الباب أمام نقاش عميق: هل نحن أمام عراق فيدرالي قائم على الشراكة الدستورية، أم أن منطق الأغلبية يسعى لفرض نفسه من جديد بطرق ناعمة؟ قبل الخوض في عمق اكثر ، لنطلع على ماجاء في الدستور العراقي حول لغات الوطن :
المادة (4):
اولاً :ـ اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم ابنائهم باللغة الام كالتركمانية، والسريانية، والارمنية، في المؤسسات التعليمية الحكومية، وفقاً للضوابط التربوية، او بأية لغة اخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة. ثانياً :ـ يحدد نطاق المصطلح لغة رسمية، وكيفية تطبيق احكام هذه المادة بقانونٍ يشمل:
أ ـ اصدار الجريدة الرسمية باللغتين .
ب ـ التكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كمجلس النواب، ومجلس الوزراء، والمحاكم، والمؤتمرات الرسمية، بأيٍ من اللغتين.
ج ـ الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين واصدار الوثائق الرسمية بهما.
د ـ فتح مدارس باللغتين وفقاً للضوابط التربوية.
هـ – اية مجالات اخرى يحتمها مبدأ المساواة، مثل الاوراق النقدية، وجوازات السفر، والطوابع.
ثالثاً: ـ تستعمل المؤسسات والاجهزة الاتحادية في اقليم كردستان اللغتين .
رابعاً: ـ اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان أخريان في الوحدات الادارية التي يشكلون فيها كثافةً سكانية.
خامساً: ـ لكل اقليمٍ او محافظةٍ اتخاذ اية لغة محلية اخرى، لغةً رسمية اضافية، اذا اقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام.
عقلية مركزية موروثة
ومع ذلك، لا تزال بعض المؤسسات تتعامل مع اللغة الكردية بوصفها “لغة محلية” أو “ثقافة فرعية” يمكن تجاهلها في الإجراءات الإدارية والتعليمية، وكأن الاعتراف الدستوري مجرد بند رمزي لا يمتد إلى الممارسات اليومية.
هذا السلوك يعكس عقلية مركزية موروثة من أنظمة سابقة، ترفض الاعتراف الحقيقي بمبدأ الشراكة المتساوية بين مكونات العراق، وتحاول إعادة إنتاج خطاب تفوق الأغلبية على حساب التعددية التي يُفترض أن تكون جوهر الدولة الاتحادية.
اللغة الكردية ليست ورقة تفاوضية ولا بندا تجميليا في الدستور، إنها حق مؤسساني يعكس جوهر النظام الاتحادي الذي اختاره العراقيون بدماء ثقيلة وتجارب مريرة، وأي محاولة لانتقاص هذا الحق، سواء بقرارات إدارية عابرة أو بسياسات ممنهجة، هي في الحقيقة محاولة انقلاب ناعم على العقد الوطني العراقي.
المطلوب اليوم ليس الدفاع عن اللغة الكردية بوصفها “لغة قومية” فقط، بل بوصفها مرآة لكرامة المواطن وشراكته الحقيقية في بناء دولة دستورية لا تميّز بين أبنائها و على القوى الكردية، السياسية والثقافية، أن ترتقي بالموقف من رد فعل مؤقت إلى سياسة دائمة تعيد الاعتبار لقضية اللغة الكردية بوصفها قضية وطنية سيادية، لا ملفا تقنيا يُدار بالمراسلات، فالدستور الذي كُتب بدماء الجميع، لا يُسمح لأحد أن يعبث به بالحبر وحده.
27/07/2025

