الكاتب..علي لفتة سعيد
لا تبدو الإجابة واضحة أو متيسرة لسؤالٍ هو عقيم، مثل عقم الحلول في كل ما يصادف العراق وما صادفه منذ عام 2003.. فكل ما حصل، وكأنه عملية تجريب لواقعٍ أريد به أن يكون سهلا أو مخرجا لأزمات عقودٍ ما قبل هذا التاريخ، فتحول المخرج إلى عملية يمكن أن تكون قارّة، تشبه عملية انقلاب عاليها سافلها.
ولا يمكن الحل بوجود الانطمار إلّا بوجود عملية تنقيب جديدة، وهذه العملية مناطقة بمعاول وأزاميل الدستور، الذي قيل إنه ولد ميّتًا أو أنه جامدُ لا يمكن أن يتحرّك أو يتغير لوجود فقرات فيه وضعت كي لا يتم التغيير. ولأن العملية السياسية عوراء عرجاء أو كما يمكن أن يصطلح عليه (العوراجية)، فإن من الممكن أن يكمن الحل دائما بوجود إرادة قابلة لوضع الحلول، والإرادة بحاجة إلى عقلٍ يفهم منطقية الأشياء، والمنطقية تحتاج إلى فهم الواقع العراقي، والواقع بحاجةٍ إلى دراسةٍ يمكن لها أن تقيّم الوضع، في ما لو حصل أي شيء، إن كان فيه إيجابية أو سلبية. ولهذا فإن الحلّ البعيد يكمن في تغيير الدستور وبعض ما جاء فيه، كي يتحوّل من كونه دستورًا جامدًا إلى دستورٍ متحرك، حتى لا تكون هناك عملية فرض إرادات أو البحث عن حلول (انقلابية) أو إمساكٍ بسلطةٍ من جهةٍ واحدةٍ، ومن ثم القيام بفرض القوّة والبحث عن كتابة دستورٍ جديدٍ، كما حصل ويحصل في تونس مثلا، رغم أن الحلّ لا يكون بقبول الجميع، لأن لا مجتمع يقبل على كل ما يحصل في البلاد أو يرفضه.
إن ما يمرّ به العراق منذ انتخابات تشرين العام الماضي، التي أفضت إلى واقعٍ أطلق عليه الانسداد السياسي، والجميع يعيش في محنة الخوف والترقّب والتوجّس من فرض الإرادات، والعودة إلى المنطق ذاته، الذي كان الجميع يعيش فيه ما قبل تشرين الانتخابات، والتي جاءت به تشرين التظاهرات. وإذا ما تمّ ربط هذا الانسداد فإن كلّ المؤشّرات تؤدّي إلى الدستور، الذي تم اختراقه بقبضة التعصّب السياسي على حساب احترامه، رغم أن الجميع يتحدّث عن أهمية احترام الدستور، لكن الجميع يخرقه ويخترقه، حتى باتت عملية الخوف والاختراق واحدة من علامات العمل السياسي وقبضته، وبات المواطن يترقب وينتظر ما تفضي إليه كلّ الصراعات الحزبية من جهة والصراعات القومية والعقائدية والدينية من جهة أخرى. فكلّ جهةٍ تمسك معولها باليمين وتقدم الورد باليسار، لأنها تريد تقديم ابتسامةٍ باهتةٍ على أنها مع الجميع، في حين الجميع يبحث عن فرصةٍ للحصول على أكبر كمية من التنازلات من الجهة الأخرى، بحجّة أن العمل السياسي يختلف عن العمل الشرعي، متناسين أن العمل الوطني يفرض التنازلات لا المكاسب.
وعليه فإن البحث عن حلّ لأزمة تشكيل الحكومة وفق ما يحصل من صراعات في الوقتا الحاصر لا يفضي أو يؤدّي إلى شيء، لأن العجلة لم تتحرّك إلى الأمام، بل إن أسنانها متوقّفة عن الحركة لوجود عصا التعصّب أو عصا المصالح وحتى عصا عدم الثقة بين أسنان دولاب العجلة المسنّنة. وعليه ربما يمكن الحل كواحدة من الأفكار إنْ بقيَّ الانسداد على حاله، والخوف ممّا هو قادمٌ من تحريك الشارع من أية جهةٍ ضدّ أية جهة، وهو ما لا يريده الشعب، فإن المقترح هو إبقاء الحكومة الحالية بكلّ ما فيها، لتكون حكومة سارية المفعول لمدّة سنة أخرى، على أن تتم التهيئة لانتخابات مقبلة، وفق قانون لا تضعه الكتل السياسية أو من تشكّل مجلس النواب، بل من قبل أكاديميين وأستاذة وخبراء بالفقه الدستوري والانتخابي، ويكون ملزمًا من الجميع، وأن يكون تشكيل لجنة إعادة صياغة قانون الانتخابات ليس من قبل الكتل السياسية، بل من قبل المحكمة الاتحادية وكلية القانون ونقابة المحامين وخبراء القانون الدستوري بالتنسيق مع جهات الأمم المتحدة التي ترشّحهم كليات القانون، على أن يتضمّن الحل التصويت في هذا المجلس على ضرورة على إعادة صياغة الدستور بفقراته المتنازع عليها، وأن يكون القرار المتّخذ ملزمًا للجميع، لكي تكون الدورة المقبلة دورة دستورية.. ومن أهم الفقرات التي تغيّر في الدستور، تحوّل الحكم من نيابي إلى رئاسي، وان يتم تشكيل الحكومة من قبل الكتلة الاكبر التي تحصل على أكبر مقاعد في نتائج الانتخابات، وليس بعد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، كما هو معمول به في كل الدول التي تشبه العراق في مكوناته، لأن التجربة أعطت نتائج فاشلة، حتى في الدول التي تشبه العراق في الحكم.