سجلت وسائل الإعلام المختلفة في العراق ولاسيما ذائعة الصيت منها في الآونة الأخيرة تراجعا خطيرا في الالتزام بالمباديء الصحفية الأساسية للنشر، ما أظهر بوضوح فقر هذا الإعلام سواء العربية منه أو الكوردية فيما يتعلق بتمييز المعلومة الصحيحة من الوهمية وبذلك أصبح عرضة للخداع والوقوع في فخ التضليل والأخبار الكاذبة مقصودا أو من غير قصد وهو أكثر أنواع الأخبار الكاذبة خطورة، والتوضيحات والتكذيبات شبه اليومية الصادرة من الجهات المعنية دليل دامغ على ذلك.
فمن المفروغ منه أن الأخبار الكاذبة تنتشر بكثافة عالميا على مواقع التواصل الاجتماعي إذ باتت السيطرة عليها شبه مستحيلة لاعتمادها الكبير على الشبكة العنكبوتية التي تؤمن لها فضاء رحبا واتخاذها الإعلام الرقمي ووسائل ومبتكرات حديثة تخدع حتى المتمرسين في المهنة الإعلامية ولوقوف جحافل ضخمة من الجيوش الإلكترونية وراءها، ولكن حين تصبح وسائل إعلامية كبيرة لها اسم وخبرة وتاريخ طويل في العمل الإعلامي وسيلة لنشر التضليل والمعلومات الكاذبة فالأمر هنا بحاجة لوقفة جادة وإعادة نظر شاملة في مجمل العملية الصحفية على المستوى المحلي على الأقل والبحث عن مكامن الخلل والسعي لإصلاحه.
وإذا كانت مبررات بعض الوسائل تتمركز على ضرورة مواكبة نشر المعلومة والخبر في وقت تفوقت فيه مواقع التواصل من حيث السرعة على جميع الوسائل الأخرى، فعلى القائمين على إدارة القنوات أن يعوا جيدا أن سمعتهم ومصداقيتهم هي أهم بكثير من مبدأ السرعة وعليهم أن يحافظوا عليها وألا يخسروها مهما كانت الدواعي، فليس بالسرعة وحدها يعرف صالح الإعلام من طالحه، فهناك مباديء المهنية، والدقة، والمصداقية، وصحة المعلومة، وأمور أخرى لا تقل أهمية عن كل ذلك.
ومن الأخطاء الأخرى التي يرتكبها الإعلام العراقي في هذه الآونة إهماله لأساسيات النشر من متابعة المعلومة، وتأكيدها من أكثر من مصدر، واستخدام الوسائل والتطبيقات الحديثة للتحقق من صحة النصوص والصور والفيديوهات والوثائق والأصوات المصاحبة لها، مكتفية بأخذها من أحد مواقع التواصل دون العودة لمصدرها الأول ونشرها كحقيقة مسلمة بها، بمعنى أن الإعلام العراقي جعل نفسه خلفية لمواقع التواصل الاجتماعي وهي التي تتحكم في نوعية محتواه، وتوقيت نشره، بل وحتى صياغته، وأمور فنية أخرى بسيطة، في حين الأولى أن تكون القنوات الإعلامية الرصينة هي الرافدة للمعلومة الدقيقة والخبر الصحيح، وتتخذ من مواقع التواصل الحديقة الخلفية لها تروج عبرها لمادتها الصحفية المكتملة، وتحولها إلى سند قوي يعزز انتشارها.
ومن المعيب أن تشهد وسائل الإعلام العراقية هذا التراجع المخزي وتفتقر رغم صرفها مبالغ طائلة إلى المصداقية والثقة عند المتابعين وتتخلف عن منصات في مواقع التواصل ليس لها أهداف واضحة وتفتقد لأدنى دراية بالعمل الصحفي المهني وكل همها جمع متابعين مهما كانت المادة التي تقدم لهم، وهذا لا ينفي أن مدى نجاح وتقدم وسائل الإعلام يقاس بأرقام المشاهدين والمتابعين والمعجبين أساسا، فقد أصبحت الأرقام المقياس الرئيس، ولكن الوسيلة الإعلامية المتزنة المهنية تعمل على كلا الصعيدين، تحافظ على مصداقيتها عبر التحقق التام والتأكد من صحة كل ما تنشره، وتسعى لرفع أرقامها عبر اتباع أساليب حديثة تتماشى مع آخر ما توصل إليه الإعلام الرقمي والتكنولوجيا الإعلامية.
ومع وجود الكم الهائل من وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية وحزبية ومستقلة وشبه مستقلة، أصبح العراق حقل تجارب خصب لنشر المعلومة الكاذبة والوهمية والمضللة ولا أحد يهتم بالأسباب ومعالجتها، الأمر الذي يستوجب جهود حثيثة من قبل النخبة الصحفية المهنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وستكون مسؤولية وسائل الإعلام المهنية مضاعفة لإعادة العمل الصحفي الحقيقي لموقعه الريادي، وتساهم بشكل أو بآخر في محاربة آفة الأخبار الكاذبة المنتشرة كانتشار النار في الهشيم.
عن إيلاف