الكاتب..محمد عبد الزهرة
تواجه الكوادر التعليمية في العراق تحديات كبيرة، من أبرزها تآكل المكانة الاجتماعية والمهنية للمعلم والأستاذ الجامعي. فالاعتداءات المتكررة على هذه الكوادر، سواء كانت لفظية أو جسدية، أو حتى المطالبات العشائرية التي تفرض عليهم، أصبحت ظاهرة مقلقة تهدد مستقبل التعليم برمته.
فعند مقارنة واقع الحماية بين العراق والدول الغربية، نكتشف فجوة واسعة في عدة محاور. ففي الجانب القانوني، بينما تتسم التشريعات الغربية بالوضوح والتفعيل الصارم، يعاني العراق من ضعف في التنفيذ وتراخي في الردع القانوني، حيث يتم أحيانًا التساهل مع المعتدين على المعلمين لأسباب اجتماعية أو سياسية. في ما يخص الاستقلالية الأكاديمية، نجد أن الأستاذ في العراق غالبًا ما يُقيّد برغبات الإدارات أو القوى النافذة، بينما يتمتع زملاؤه في الغرب بحرية أوسع في البحث والتدريس. أما من الناحية الاجتماعية، فإن صورة المعلم في بعض مناطق العراق قد تراجعت نتيجة لضعف الوعي المجتمعي وعدم وجود خطاب إعلامي أو تربوي يعزز مكانته، في حين يحظى المعلم في الغرب بتقدير واسع على مستوى الدولة والمجتمع والمؤسسة التعليمية. كما أن التمثيل النقابي للمعلم في العراق يبدو شكليًا في كثير من الأحيان، على العكس من النقابات الغربية التي تشكّل أدوات ضغط حقيقية على الحكومات وتوفر غطاءً قانونيًا ومعنويًا لأعضائها . ولتحسين واقع الحماية في العراق، تبرز الحاجة إلى حزمة من الإصلاحات العميقة تبدأ بإصدار قانون خاص وشامل لحماية الكوادر التربوية والتدريسية، يتضمن عقوبات واضحة لكل من يتعرض للمعلم بالإساءة أو التهديد أو الاعتداء، سواء من داخل المؤسسة التعليمية أو من خارجها. كما يجب إعادة النظر بدور النقابات وتمكينها فعليًا من الدفاع عن حقوق أعضائها بعيدًا عن التدخلات السياسية، مع منح الجامعات استقلالًا إداريًا وأكاديميًا يحصّن الأستاذ الجامعي من أي ضغوط غير مهنية. كذلك ينبغي توفير بيئة تعليمية آمنة عبر دعم إدارات المدارس والجامعات بأنظمة حماية وأجهزة رقابة ومتابعة، إلى جانب تحسين الوضع المعيشي للمعلم من خلال رفع الرواتب وتوسيع مظلة التأمين الصحي والضمان الاجتماعي. ومن الضروري أيضًا العمل على نشر ثقافة احترام المعلم داخل المجتمع، من خلال الإعلام والمناهج التربوية والأنشطة المجتمعية، حتى يُعاد الاعتبار لهذه المهنة النبيلة وتعود لمكانتها الطبيعية كعمود فقري لبناء الدولة.إن النهوض بالتعليم لا يمكن أن يتحقق دون حماية من يقف في الصف الأول لتحقيقه. وإذا أرادت الدولة العراقية أن تبني نظامًا تعليميًا حقيقيًا، فعليها أن تبدأ من الأساس: حماية الأستاذ الجامعي والمعلم، لا بالخطابات، بل بالقانون والمؤسسات والاحترام الفعلي.
المصدر .. كتابات