عدنان منصور
دعنا لانتحدث عن صمت الحكومة العراقية وحكومة الاقليم ازاء الانتهاكات السافرة للجيش التركي بحق سيادة العراق منذ سقوط النظام العراقي عام ٢٠٠٣ ولحد الان ، والتي اسفرت عن استشهاد المئات من المواطنين وتدمير قراهم وتجريف مزارعهم ، اضافة الى احتلال جزء من العراق – اقليم كوردستان ، من خلال التوغل بعمق ٤٠ كم وانشاء العشرات من القواعد العسكرية.
ان ما يقوم به قوات الاحتلال التركي ، وما يدعيه من محاربة حزب العمال الكوردستاني ، ما هي الا ذريعة للتمدد داخل العراق مستغلة ضعف الحكومة الاتحادية وتواطؤ سلطات الاقليم المرتبطة بالمصالح الحزبية والاقتصادية الضيقة ، مما حدى به ان تتجاوز كل الاعراف والقوانين الدولية وعلاقات حسن الجوار .
ان التوغل (خطوة خطوة) متوافقة مع ما يخطط لها القوميين الاتراك (المشروع الطوراني الكبير) او ما يسمى بالاستحقاق التاريخي واعادة امجاد الامبراطورية العثمانية بعد مرور مئة عام على اتفاقية لوزان واعادة المطالبة بالتركة العثمانية من خلال الاسلوب العسكري (قبض الارض والاندفاع باتجاه العمق الرئيسي) في عام ٢٠٢٣ .
ان الفوقية الراسخة في اذهان وعقلية السياسيين الاتراك يتجه نحو اعادة ولاية الموصل وكركوك الى حضن الامبراطورية الجديدة ، اذ يعتبرون بان الحدود بين هذه الدول والامبراطورية القديمة ماهي الا حدود افتراضية ، وهذه الدول وخاصة العراق هي العمق الاستراتيجي والمجال الحيوي لتركيا ، اي ان المشروع التركي يتخطى حدود حزب العمال الكوردستاني الذي حاربه منذ بداية الثمانينات دون فائدة ، بل يجتاح سوريا وليبيا واليمن و..الخ ، اذا المشروع التركي يمس جوهر الوطن العربي والقومية العربية والتاريخ العربي والامن القومي العربي والجامعة العربية .
في الحقيقة لاتوجد سيادة كاملة لاية دولة من حيث اتخاذ قراراتها بمفردها دون تأثيرات دول وشركات العالم ، ولكن تبقى للدولة الحق في مواجهة دول اخرى في حالة الانتقاص من سيادتها او التدخل في شؤونها الداخلية حسب ميثاق الامم المتحدة ، ومن حق العراق حماية سيادتها الداخلية والخارجية وبسط سلطانها على اراضيها ، مياهها ، اجوائها ، مؤسساتها ، ومن حقها المشروع استخدام كل السبل والوسائل المتاحة (الدبلوماسية ، الاقتصادية ، العسكرية ) لردع تلك الانتهاكات .
يبقى العراق في ظل ما يمر به من ازمات داخلية ان يستنجد بالمجتمع الدولي والقانون الدولي وكذلك باخوته العرب ، لان ما يمس العراق سيطال الدول العربية الاخرى عاجلا ام اجلا ، لان التكالب ازائها بات واضحا وجليا ، مما يتطلب الانتباه حتى لايصحو العرب على وضع تتآكل فيه مقدرات الامة العربية لصالح قوى اقليمية تحتل اراضيها وتبيح كرامتها .
مع الاسف اصبح العراق اليوم ساحة مفتوحة لتدخلات دول الجوار الاقليمي ، وهي تدخلات علنية وصارخة ، كما وان بعض القوى السياسية لاتخفي اعلان ارتباطها بهذه الدولة او ذاك ، وهناك متواطئون مع دولة تركيا يمثلونهم في الداخل العراقي ، ويتغنون باردوغان ، وان انقسام النخب السياسية والمجتمعية ادى الى اختلال الرؤية السليمة لتحديد مساحات المصلحة الوطنية للبلاد ، بمعنى غياب سيادة الدولة وفاعليتها في العراق لايرتبط فقط بالارادات الخارجية واختراقها لكيان الدولة ، بل ايضا تهديد داخلي من القوى الموازية للدولة والتي تريد ان تحل محل الدولة .
ان السيادة مسؤولية تضامنية عامة لكل الشعب (احزاب وحكومة) ، يستوجب التمركز حول الوطن والدستور ومؤسسات الدولة.
لذا يستوجب :
اللجوء الى مجلس الامن وعدم التلكؤ في تفعيل القواعد القانونية الدولية التي تفرض احترام سيادة العراق ، ويجب ان يكون الفاعل العراقي حاضرا ببعدها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والعسكري ايضا .
لجم الانتشار التركي قانونيا وعن طريق الامم المتحدة وعن طريق الجامعة العربية .
الغاء الاتفاقيات المتعلقة بالحدود بين العراق وتركيا ، وعدم منح تركيا فرصة بحجة محاربة الارهاب المزيف .
تحميل تركيا المسؤولية الدولية والقانونية لما قام بها من جرائم بحق مدنيين عزل ، وبحق اراضي العراق طيلة سنوات ما بعد التحرير ، مستغلة الوضع الداخلي المأزوم .
الغاء الاتفاقية النفطية بين الاقليم وتركيا ( ٥٠ عام ) ، وعدم منح تركيا ايرادات تحولها لضرب وتدمير العراق .
حشد الجماهير الشعبية وتعزيز الاحتجاجات باتجاه طرد القوات العسكرية التركية وازالة قواعدها من ارض العراق نهائيا والتي في الغالب قواعد استخباراتية تجسسية.
قطع دابر المتعاطفين مع اردوغان واسلامه المزيف ، ودابر العراقيين الموالين قوميا لتركيا .
ان الدولة التي لاتبالي بالقانون الدولي ، تصنف بانها دولة مارقة ، وان اخر تصريح لوزير الخارجية التركي يؤكد على انهم لايحتاجون الاذن للدخول الى اية منطقة ، هنا تسقط مبرر وجود pkk كذريعة للتدخل ، على الدولة العراقية ان تفهم ذلك.
الاخذ بجدية آخر تصريحات قرارات مجلس الامن التركي والداعي (ان الحملات العسكرية في الداخل والخارج لن تتوقف ) غير مبالاة بالاحتجاجات العراقية والعربية والدولية ،. اذا لافائدة من الاستنكار والشجب ، يجب البحث عن بدائل للواردات التركية وايقاف التعامل التجاري والاقتصادي معها ، والذي يصل الى اكثر من ٢٠ مليار دولار سنويا ، اضافة الى طرد الشركات النفطية والسياحية .
لافائدة من طرد السفير التركي واستقدام السفير العراقي من تركيا ، اليوم هي الفرصة الحاسمة لطرد هذا المحتل من ارض العراق والتي هي مسؤولية عربية ايضا ، لان سيادة العراق جزء لايتجزاء من سيادة الدول العربية .
اجراء عمليات اسقاط الطائرات المسيرة والدرونات ، وتجربة اشتباك جوي مع الطائرات التركية التي تخترق الحدود العراقية ، فالطيار العراقي لايقل كفاءة عن طياري حلف الناتو ، مما يعزز هيبة الجيش العراقي وقواتها المسلحة ، ويعزز قدرة العراق حتى في التفاوض بشأن كميات المياه الواردة الى العراق .
ضرورة اتخاذ موقف سياسي موحد بين المركز والاقليم حول الثوابت الوطنية ، وتوحيد القدرات العسكرية والامنية ،( قوات البشمركة والجيش العراقي) وتوظيفها لحماية الوطن لتكون عامل ايجابي لضمآن ديمومة الاستمرار والبقاء للدولة .
اقامة صلاة جمعة عامة في العراق ، ترحما لارواح الشهداء واستنفارا بوجه قوات الاحتلال التركي .
دعم الخطاب الوطني والشارع العراقي النشط ، ودعم استمراريتها وديمومتها حتى افول اخر جندي تركي على تراب الوطن ، وهذا ما يفرضه جوهر الدستور العراقي ، كي لايتكرر هذه المشاهد المؤلمة لاحقا .
نبذ المفارقة والازدواجية ، في الوقت الذي يستنفر الشعب العراقي ضد الجيش التركي ، هناك سجناء في الاقليم محكومين بتهمة التظاهر ضد التواجد التركي .
اخيرا يستوجب اعادة النظر في مفهوم السيادة ، وان فوضى السيادة في العراق هو من جرأ تركيا الاستهتار بارضه وشعبه وثرواته ، فلا وطن بلا سيادة ولا سيادة بلا استقلال .