فريد دلشاد
ترجمة وتحرير : نرمين عثمان محمد
حوار حول رسم السياسة الاقتصادية مع رؤساء أمريكا وتأثير قراراتهم على مئات الملايين حول العالم. لكن السؤال الأهم هو: كيف تُتخذ تلك القرارات؟
في كتابه “عندما يتحدث الرئيس: حوارات مع صُنّاع السياسة الاقتصادية“، يُجيب سيمون باومايكر عن هذا السؤال، حيث أجرى مقابلات مباشرة مع 35 من واضعي السياسة الاقتصادية في البيت الأبيض، مثل مجلس المستشارين الاقتصاديين، مكتب إدارة الميزانية، وزارة الخزانة، والمجلس الاقتصادي الوطني. يكشف المؤلف في كتابه دور هؤلاء المسؤولين في القضايا الحاسمة، مثل رفع أو خفض الضرائب، ووضع السياسات أثناء الأزمات الاقتصادية، وكيفية التعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية.
يُشير هؤلاء المسؤولون إلى أن عملية صياغة السياسة الاقتصادية في البيت الأبيض تواجه تحديات بارزة، فرغم محاولة معظم الرؤساء تبني أفضل السياسات الاقتصادية من البداية، إلا أنهم غالبًا ما يُجبرون لاحقًا على التوفيق مع التوازنات السياسية، والحصول على موافقة الكونغرس والمصالح الحزبية، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى التسويات والتعديلات.
الضرائب في عهد نيكسون وفورد
على مر التاريخ، اختلف صُنّاع السياسة الاقتصادية في أمريكا حول موضوع فرض الضرائب. غالبًا ما فضّل الرؤساء والمستشارون الاقتصاديون خفض الضرائب لتشجيع النمو الاقتصادي، بينما قرر قلة منهم رفع الضرائب لتمويل برامج الحكومة.
في عهد ريتشارد نيكسون خلال سبعينيات القرن الماضي، كان جورج شولتز وزير الخزانة يقود جهود إصلاح الضرائب بهدف خفض الضرائب على الشركات والأفراد في محاولة لدفع عجلة الاقتصاد.
أما آلان غرينسبان، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد جيرالد فورد، فقد دعم خفض الضرائب لتعزيز النمو وتحفيز الاستثمار الخاص وتوفير فرص العمل.
كارتر وريغان وكلينتون
جيمي كارتر كان من أنصار نظام ضريبي يتضمن ضرائب أعلى على ذوي الدخل المرتفع.
ستيوارت أيزِنستات، مستشاره الاقتصادي، أيّد نظامًا ضريبيًا أكثر عدالة لتوزيع العبء الضريبي.
أما في عهد رونالد ريغان، فقد تقرر رفع الضرائب لتقليل العجز، ثم لاحقًا خُفضت بشكل كبير عبر قانون خفض الضرائب.
من جهة أخرى، أيّد مستشارو بيل كلينتون رفع الضرائب على الأغنياء لتمويل برامج التعليم والصحة ومواجهة الأزمات الاقتصادية، مع دعم خفض الضرائب للطبقة الوسطى وذوي الدخل المنخفض.
بوش وأوباما وترامب
في عهد جورج بوش الابن، أُقر قانون لخفض الضرائب بهدف تحفيز النمو الاقتصادي.
بول أونيل، مستشاره الاقتصادي، دعم هذا التوجه، لكن لاحقًا رفع بوش الضرائب لمواجهة العجز الناتج عن نفقات الحرب في أفغانستان والعراق.
في عهد باراك أوباما، زادت الضرائب على الأغنياء بينما خُفضت على الطبقة الوسطى، انسجامًا مع رؤية مستشاريه الاقتصاديين، مثل ألان كروغر، الذين رأوا في ذلك وسيلة لتحسين الاقتصاد وزيادة فرص الإستثمار و العمل.
الأمر ذاته تكرر مع دونالد ترامب، الذي خفّض ضرائب الأفراد والشركات في بداية ولايته، مما يعكس اعتماد الرؤساء على رؤى مستشاريهم في القرارات الضريبية.
الأزمة المالية العالمية
كانت الأزمة المالية العالمية واحدة من أكبر التحديات التي واجهت صانعي السياسة الاقتصادية في أمريكا. بدأت خلال عهد جورج بوش، وقد ركزت إدارته على حزمة إنقاذ مالي لدعم البنوك والمؤسسات المالية المتعثرة.
عندما تولى أوباما الحكم، كانت الأزمة المالية قد تفاقمت، وازدادت معدلات البطالة. وللتصدي لها، أقر قانون الرعاية الصحية “أوباما كير” لتقليل التكاليف الصحية، كما أطلقت إدارته برنامجًا تحفيزيًا اقتصاديًا تجاوزت تكلفته 800 مليار دولار من خلال زيادة الإنفاق الحكومي على قطاعات اقتصادية متعددة.
وقد اعتبر العديد من الخبراء، مثل بول فولكر، أن لهم دورًا رئيسيًا في مواجهة هذه الأزمة، حيث عمل فولكر رئيسًا لمجلس المستشارين الاقتصاديين.
المستشارون والرؤساء
إن بناء علاقة فعالة ووثيقة مع رؤساء أمريكا يُعد أمرًا حاسمًا لتحديد تأثير المستشارين في البيت الأبيض. فالمستشار يجب أن يعرف كيف يُوصل المعلومات للرئيس بأفضل أسلوب.
في مقابلاته، أشار باومايكر إلى أن المستشارين الذين كان لهم دور فاعل داخل البيت الأبيض، ساهموا في تشكيل القرارات منذ الدعوة الأولى وحتى نهاية فترة الرئاسة.
ستيوارت أيزِنستات، مستشار كارتر، شدّد على ضرورة التعامل باحترام وإنصاف مع الرئيس، حتى عند الاختلاف معه.
أما مايكل بوسكين، المستشار الاقتصادي، فقال إن العلاقة الجيدة مع الرئيس مسألة جوهرية، فالرؤية الاقتصادية السليمة عنصر أساسي في رسم السياسات العامة.
مواجهة التضخم
على مدى العقود الماضية، واجهت أمريكا تحديات كبيرة في التصدي للتضخم. في سبعينيات القرن الماضي، واجه ريتشارد نيكسون معدلات تضخم مرتفعة، ما دفعه لتطبيق سياسات مالية صارمة، بما في ذلك إيقاف تحويل الدولار إلى ذهب لمدة 90 يومًا.
في عهد جيمي كارتر، تفاقمت المشكلة بسبب أزمة النفط في إيران وارتفاع أسعار الطاقة، مما أدى إلى تراجع الموارد في أمريكا. حاول كارتر السيطرة على التضخم من خلال التحكم في الأجور والأسعار، إلا أن جهوده لم تحقق النجاح المنشود.

