نحو كهف الشجعان
كمال حسين غمبار
رواية (نحو كهف الشجعان) التي تقع في ثلاثة اجزاء تتصدى لمراحل تاريخية من كفاح شعب كوردستان، اختارت الكاتبة الروائية گەلاوێژصالح عقيلة الكاتب الروائي المعروف المبدع الاستاذ الخالد ابراهيم احمد عينتين من شرائح المجتمع الكردي متمثلتين في عائلتي كاكه حاجي والحاج مجيد حيث انهما اخوان قد تزوجا اختين، وقد خرج من صلب وارومة العائلتين ابناء وبنات مناضلون اباة دخلوا معترك الحياة السياسية العلنية والسرية والكفاح المسلح، وقد عانت العائلتان بجميع افرادهما جراء ذلك حياة القسوة والتشرد والغربة والاستلاب، واختيار المنفى اضطرارا دون ان تثبط الآلام وحياة البؤس والشقاء من ارادتهم وعزائمهم وتلين من عضدهم.
ولكون الكاتبة قد عايشت اجواء الرواية معايشة حقيقة سواء عن كثب او من خلال اطلاعها على مجريات الاحداث او سماعها فهي تعبر عن ماهية الرواية التي تتكون من عناصر ثلاثة هي: (المضمون والشكل والصدقية) كما كتب الكاتب الروسي الكبير تولستوي (1828-1910) في مذكراته وقال: لو سألوني عن اهمها لقلت (الصدقية).
من هذا المنطلق فان گەلاوێژ الروائية عبرت بصدق واصالة وامانة عما تدور في سياق الرواية، وهي بذلك تولي عناية كبيرة بالبيئة المحلية والخارجية، حيث ان البيئة تلعب دورا هاما وبارزا في الرواية، ويدخل ضمن البيئة المكان بمظاهره الطبيعية وصوره المادية المتباينة اضافة الى القيم المعنوية السائدة في المجتمع، اذ نرى ان البيئة التي صورتها الكاتبة بدقة وامانة تلعب دورها في تطور الاحداث والمشاهد والحبكة وفي حياة شخوص الرواية وصراعهم التي تمليها عليهم. وكذلك لاننسى ان رسم الطبيعة الخلابة لقرى وارياف كردستان تمثل عنصرا قائمابذاته تلعب فيها الدور الاول في اسباغ الجو النفسي عند افراد المجموعة، وفي كنف البيئة تدور الاحداث التي تقوم على سلسلة متعاقبة تشد القارئ اليها لمتابعتها والوقوف على سريانها في الزمن الذي يعد ضابطا للفعل الدرامي، وبه يتم الحدث وعلى نبضاته وايقاعه يسجل الحدث وقائعه. من هنا فان الزمن يمثل عاملا فعالا في الرواية وخاصة بالنسبة للذين عاشوا الاحداث من خلاله حيث يمتلكون الاحساس بالزمن الذي يترك في نفوسهم شعورا يسري كالدم في عروق الرواية والاحساس بالمكان.
ان شخصيات الرواية الذين تدور حولهم الاحداث او بالاحرى الذين يحركون الاحداث شخصيات ثابتة الا ما ندر وشخصية كل انسان مشتقة من عناصر اساسية كونتها الظروف، فالكاتبة اما انها تصورهم من خلال الاوصاف التي تطلق عليهم او انها تتعمق في اغوارهم وتعرض جوانبهم الظاهرة والباطنة.
وحين ترسم معظم شخصيات الرواية كشخصيات مبدئية ثابتة تجد في ذلك فائدة كبيرة في نظرها والقارئ معا حيث انها قامت ببناء شخصية(علي) التي تخدم فكرتها طوال الرواية، وهي لاتحتاج الى تقديم وتفسير وتحليل وبيان.
والشخصية النامية كشخصية (بيستون) تتكيف شيئا فشيئا وتتطور مع تطور الرواية وأحداثها ويكون تطورها نتيجة تفاعلها المستمر مع هذه الحوادث او مع مايقتضي التزامها الحزبي من جهة ومع حبها الطاغي ل (روناك) من جهة اخرى.
ان الكاتبة تستخدم اساليب متنوعة لابراز شخصيات الرواية احيانا من خلال الوصف المقتضب لها، وحينا آخر تعمد الى الحوار بينها لكشفها من خلال الافكار والمفاهيم التي تطرح كالمعلمة السياسية الواقعية (صبرية) نموذجا.
ان كل شخصية من شخصيات الرواية تمتلك كيانها المستقل وهي حية في حركاتها وسكناتها، ويحس القارئ من ممارساتها حرارة وتدفق الحيوية، ويتعرف من خلال تصرفاتها على ما تتحلى بها من خصائص خلقية وحقائق، فلا تتكلم الا باسلوب طبيعي يلائم نفسيتها، ولا تعمل الا حسب سير الاحداث وتطورها، والمنهج المرسوم والمخطط لها.
لجأت الروائية (گەلاوێژ) في معالجتها الفنية لصياغة روايتها الى طريقة السرد المباشر او الطريقة الملحمية التي يتغلب فيها التاريخ الظاهر لمجموعة شخصيات الرواية، فهي تتحدث احيانا على لسان البطلة او البطل، في حبكة متماسكة تقوم على حوادث مترابطة، تسير نحو خط مستقيم حتى تبلغ مستقرها. ان هذا الترابط الجدلي بين حلقات الحوادث والشخصيات يجعلنا ان نحس واقعية الحياة بنبضاتها، لا بشكلها الفوتوغرافي المسطح المباشر، انما يشعر القارئ الحياة التي تصورها لنا الكاتبة وما في الحياة نفسها من فوضى واضطراب وقلاقل ومستجدات غريبة طارئة في تتابع الاحداث وانعطافاتها.
ان حبكة رواية (نحو كهف الشجعان) في تقديم وتأخير الحوادث تنهض اساسا على الاهتمام بالتوقيت في سير الاحداث في بطء وحركة، والايقاع في التنويع والتفاوت في درجة الانفعال والتوتر شيئا فشيئا الى العقدة او الذروة ثم الخاتمة او الانحلال العقدة، كل ذلك يمنح التشويق ورغبة المتابعة للقارئ وذلك من خلال التركيز على الحوار الدائر بين شخوص الرواية، حيث يعد الحوار صورة من صور الاسلوب الروائي، سيما الحوار السلس المنساب المتضمن مصدرا من اهم مصادر المتعة في الرواية وبواسطته تتصل شخصيات الرواية بعضها ببعض اتصالا صريحا مباشرا، ويثار جدل متشدد احيانا من خلال الارهاص او التهيئة الذهنية كما عند (حةثسةخان) وهو ضروري في التشويق وربط القارئ بالرواية في ترابط احداثها ونتائجها وتتابعها، ويكون هذا الارهاص بالايحاء لها قبل حدوثه، كتجربة سابقة تبني عليها الشخصية ما تتوقع كهاجس داخلي، من هنا يأتي عنصر التشويق بشكل طبيعى غير اقحامي او متكلف.
ان الكاتبة في لجوئها الى اسلوب السرد والتفصيل، والحوار تبعث الحياة في المواقف وتكشف عن نفسيات شخوصها وما يدور في خلدهم، وحوارهم بين معلن وخفي يدور داخل النفس على طريقة الحوارين الداخلي والخارجي، وقد تتسلل الصور وتتداعى الافكار في تيار دافق، وتستخدم الصور الاستطرادية، فتنتقل من الواقع الى الخيال، وترتفع من دقائق التفصيل في الصورة الى ظلالها الجانبية التي تلقي على الموقف كله كثيرا من المشاعر والاحاسيس والافكار التي تسمو بدورها الى حيز الجدل الذهني من خلال اثارة التساؤلات المشروعة ازاء الواقع المعاش ومستجداته.
فحين تحفل هذه الثلاثية بالشخوص، تغدو بطبيعة الحال رواية شخوص تاريخية ظهرت ونمت وتطورت على ارض الواقع، وقد وقعت تحت تاثيرات الاحداث وطبيعة التطورات لكنها بعيدة عن لغة الارقام والتواريخ بيد انها تعنى بالحوادث والمواقع التاريخية الشاخصة التي عاشوا فيها والتي دارت فيها المعارك بين فصائل الثيَشمةرطة والقوات الحكومية، ولكن هذا الاهتمام بالشخوص يدل على ما فعلوا وبذلوا من غال ونفيس بالمال والنفوس من اجل الاهداف التي خاضوا معترك الحياة السياسية ايام العمل السري وفي اثناء الكفاح المسلح.
وتاريخية الرواية تتأتي ايضا من اعتماد الكاتبة على المعلومات التاريخية المعاشة والموثوقة، وذلك من نقل العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية في تلك المراحل والاحداث السياسية والاجتماعية التي تصدت لها الروائية بشكل موفق ودقيق، وهي ماتزال تحتفظ بواقعها وايقاعها الحي في اذهان الذين عاشوا احداثها وعرفوا الشخصيات التي تحركوا خلالها وتركوا بصماتهم الواضحة على سير الاحداث، والذين قلبوا ظهر المجن لأفكارهم ومبادئهم السابقة وخانوا رفاقهم ، وقد اخذوا يبحثون عن مصالحهم الشخصية .
في حين ان الشخوص الحقيقيين الثابتين لم يقعوا تحت طائلة احباطات غير مبررة رغم معاناتهم الشديدة . ولم يخيم عليهم القلق والاضطراب حدّ الخيبة والانهيار، بل واصلوا المسيرة . من هنا يمكن ان نعد هذه الرواية ضرباً من ضروب السيرة الذاتية المحبوكة حبكة فنية ، لكنها ليست رواية تعليمية تخص نشأة الكاتبة وافراد العائلتين وتفاعلهم مع التجارب المارة بهم ولو انها لا تخلو من هذا الطابع لكنها تعد تصدياً لسلسلة من الصراع الثانوي بين جناحين ما كان من المفترض ان يصل الى الصراع التناحري ، وقد عمدت (گەلاوێژ) الروائية وركزت اساساً على الصراع الدرامي في تركيبة متسلسلة البنى والمراحل كحلقات مترابطة لا انفصام بينها تستمر في سياقها الزمكاني المشوب بالمشوقات التي تأخذ بيد القارئ الى متابعة الاجزاء الثلاثة بشغف ولهفة كونها تتسم بملامح قومية ووطنية وانسانية تتجسد بشكل ضمني من خلال انطباعات الكاتبة مباشرة عن الحياة بأن احداثاً وقعت بشكل أو بآخر على ارض الواقع او تخيلتها. ومن خلال الاحداث والاشخاص تلجأ بطريقة اشبه بتيار الوعي والفلاش باك الى استرجاع الحوادث التي مرت بها مدينتها والمناطق الاخرى التي عاشت فيها. واللجوء الى البناء الدرامي اخذ يتطور وينمو من خلال الأحداث والشخوص التي لها علاقة بالشكل الفني الذي يبرز الى الوجود عبر الامتزاج الناجح للعناصر التي استخدمتها الروائية في صياغة الموضوعات والأفكار التي طرحتها بحكم كون الرواية اكثر الانماط الادبية التي تتمتع بحرية وحركة اكثر من الانماط الاخرى . من هنا يقول أندريه جيد (الشكل الافضل هو ذلك الذي يستغل موضوعه افضل استغلال ، فليس هناك تعريف آخر لمعنى الشكل في الرواية) .
ان الأفكار تنكشف اثناء سير الاحداث والحوار والعلاقات المترابطة التي تمتلك خصائص درامية وهي بدورها تخلق الشخصيات وتحركهم . من هذا المنطلق فان اختيار الروائية لشخصيات روايتها ليس
احصائيا وبشكل عشوائي او عفوي بقدر ما يعد اختياراً لنماذج وجدت على ارض الواقع بشكل فاعل وملموس وان كانت باسماء مستعارة أو متخيلة ، أو انها سوف تتواجد في صلب الواقع ، حيث يعبر كل نموذج من خلال ممارساته وسلوكه واقواله وطروحاته عن شخصيته كما اشرنا الى ذلك فيما سبق ، اضافة ان الكاتبة بقدر ما كشفت عن السطح الطبيعي لنماذجها وعيناتها الاّ انها انشغلت ايضاً بكشف طواياهم واطوارهم ونوازعهم.
صحيح ان (علي) بطل الرواية هو اكبر افراد المجموعة بما يمتلك من خبرة ودراية وبحكم مسؤوليته سياسيا وعسكريا يختار ان يكون بمستوى المسؤولية قائداً عسكريا وسياسيا صلباً ، لكنه يخضع للرأي الاجماعي ، وبهذا يحظى باهتمام واحترام وحب وطاعة الجميع ، من هذا المنظور ان الكاتبة هي ايضا تكون احد افراد العائلتين وليست كراوية فقط ، بل حضورها الفاعل في سياقها، وتضفي عليها شيئاً من افكارها وتطلعاتها، لذلك تتسم الرواية بملامح قومية ووطنية وانسانية تتجسد بشكل ضمني او علني تلك الملامح من خلال انطباعات الكاتبة مباشرة عن الحياة بحكم ان احداثها وقعت بشكل أو آخرعلى ارض الواقع سواء عايشتها عملياً أو سمعتها أو رأتها أو تخيلتها . والخيال قوة رئيسة من قوى الطبيعة الانسانية كما يذهب اليه (باشلار). والرواية الواقعية الممزوجة با لخيال لا تنقل الواقع كما هو بل تضفي عليه لمسات فنية من ابداع الكاتبة وقدرتها على الخلق والابتكار، وليست بالضرورة من الشخصيات المتحركة في فضاء الرواية . والتي خلقتها تكون مطابقة لمثيلاتها في الواقع الملموس ولكن قد تكون متقاربة مثل (شوكت آغا) كنموذج حي افرزه الواقع المشوب بالدجل والرياء والادعاء الفارغ والذي مهد لمثل ذلك الظهور هو الصراع العراقي الايراني اثناء حكم الشاه في اعقاب ثورة 14 تموز 1958 .
كما اشرت في البداية ان الكاتبة تتحلى بالصدق والصراحة والجرأة والمكاشفة في طروحاتها والمفاهيم التي وردت في سياق الرواية وباسلوب شفاف تأخذ الرواية طابعاً محلياً في تصوير البيئة والاوضاع الاجتماعية والسياسية والاحداث الدراماتيكية والشخوص التي تتحرك في فضاءاتها التي تأخذ مديات واسعة تخرج ولو بلمحات سريعة عن اطار كردستان الى آفاق عالمية ، لكنها تحتفظ بنكهتها المحلية ، وكلما اقتربت الرواية من المحلية والخصوصية القومية والوطنية اكتسبت العالمية ، ولهذا ليس غريباً ان عرضت على الكاتبة احدى شركات اخراج الافلام في بريطانيا تحويل الرواية الى فيلم سينمائي كونها تجربة قومية ووطنية وانسانية تمتلك الملامح الخاصة والعامة والهواجس الشخصية والهموم الذاتية والسياسية والاجتماعية النابعة من ضمير الكاتبة والمعبرة بصدق واصالة والممتلكة للمقومات الفنية والذخيرة اللغوية والخزين الثقافي والمعايشة المستمرة للتطورات ، كل ذلك يؤهلها ان تنهض بجدارة بمهمة كتابة هذه الرواية اضافة الى الثقة بالنفس والتصدي لمجريات الحياة في تقلباتها وسيرورتها.
واخيراً حين اكتب هذه السطور عن هذا المنجز، لابد لي ان اشيد باسلوب الكاتبة المشوقة بلغة شفافة منسابة وحس انساني مرهف وبتكنيك معبر عن تجربتها الاولى التي صبتها في ايقاع البناء الدرامي او الشكل الذي فرضته على عالم الاحداث والشخوص، وهذا إن دل على شيء فانما يدل على انها وفية لفنها الروائي، ومن لايكون وفياً لصناعة الرواية لن يكون وفياً لعصره من خلال المواد الاولية التي يقدم له ذلك العصر. ولهذا انجزت (گەلاوێژ) في ثلاثيتها عملاً روائياً صادقاً مع نفسها وروح العصر في اطاره الزماني يحملها خيالها ان تبتدع شخصيات ومشاهد غير حقيقية بحرفيتها وبلحمها ودمها، الاّ في صلب الرواية الواقعية التاريخية. كما ان ابداع الكاتبة يعود اساساً الى استعدادها لتطوير نفسها واهتماماتها الذاتية والظروف التي اتاحت لها ان تنمي قابليتها وتحديها للمعوقات التي تحكمت فيها الظروف السياسية دون استكمال تحصيلها الدراسي وقد عوضت عنه بجهدها الشخصي في أن تمتلك ناصية اللغة وتشحنها بطاقة كتابية فاعلة قادتها الى كتابة الرواية والقصة والترجمة وكتابة مذكراتها، كما ان علاقة الموروث الشعبي بالادب الروائي كما تبدو قوية حيث ان الكاتبة في بداية حياتها المبكرة فتحت عينيها على الاستماع الى الحكايات الشعبية التي شنفت أُذنيها، فأخذت تشغف بها، الامر الذي شكل في ذاكرتها خزيناً كبيراً من تلك الحكايات المروية مما دفعها الى كتابة الرواية وتحقيق النجاح فيها.
من هنا نلتمس في سياق الرواية ان انفعال الكاتبة في طروحاتها يرتبط بالوعي العميق لتناقضات الواقع من أجل تغييره وبنائه مجدداً بما يمليه عليها ضميرها الانساني المتفاعل مع الاحساس المرهف بآلام وأوجاع المجتمع، وقد ورثت هذه الحالة النفسية من صلب الجذور الاولى لعائلتها التي جبلت على الخير والعطاء والتمرد على الواقع المر والتفاني من اجل خلاص شعبها من البؤس والفاقة والاضطهاد ومسح الهوية القومية. ولهذا نلاحظ بكل وضوح أثر وفاعلية المرأة الكردية في سياق الرواية، مادامت تصور الحياة تصويراً صادقاً تمليها العاطفة، ولاسبيل الى هذا التصوير الصادق اذا لم تشترك المرأة فيه بوحيها وبألمها وعملها الدؤوب المندمج مع العمل الحزبي وربط مصيرها بمصير الرجل. ولم يتصل هذا الوحي والالهام لتجد نفس الكاتبة ليدفعها الى حياة فنية جديدة كلما آلت قوة الرجل الى الفتور أو الضعف، ولانقصد بالعاطفة الغريزة الجنسية وحدها كعامل محرك لدور المرأة والتي لا تخلو منها الرواية، بل العواطف الصميمية من صلة الرحم والعواطف الوطنية والانسانية ايضاً.
ومن منطلق حرص الكاتبة على مصداقيتها وأمانتها فهي لا تتحزب ولا تتشيع الى اي جهة من الجناحين المتصارعين، بل تنحي باللائمة عليهما لتمسكهما الشديد بموقفهما وتصلبهما في الاستبداد بالرأي دون التحلي بالمرونة والعقلانية في حل الخلافات القائمة بينهما، على الرغم من ان جناح المكتب السياسي يعود ثانية الى الانضمام تحت قيادة البارزاني ولكن حدوث بعض الاشكالات يقف حائلاً دون تحقيق ما كانوا يبتغونه ثم فيما بعد يعود الوفاق والوئام بين الطرفين بعد صدور بيان الحادي عشر من آذار 1970.
واخيراً تعد ثلاثية (نحو كهف الشجعان) في مقدمة اعمال الروائية طةلاويَذ، وهي تعد من انجح رواياتها ولو انها باكورة اعمالها، وهي رواية تاريخية اجتماعية سياسية بأدق معاني الكلمة، كونها تصور بيئة كردية، وغير كردية برجالها ونسائها واطفالها، بعاداتها وتقاليدها، بمواقف المناضلين والمناضلات في صراعهم ونزعاتهم وتناقضاتهم، وبسيادة التآلف والوفاق والمحبة والانسجام والحب الطاهر العفيف بين افراد العائلتين.
ان دراسة هذه الوشائج البيولوجية والسايكولوجية والسوسيولوجية بين افراد الاسرتين التي تربطهم روابط الدم والقرابة والمواقف المبدئية الثابتة، روابط …. كفيلة بالأشارة الى غياب المناخ النقدي في وسطنا الادبي الكردي، حيث ان الكاتبة قد نشرت احدى عشرة رواية وقصتين للأحداث، ولكن لم يكن نصيب النقد جديراً بها، الاّ ما ندر، في حين انها تقف في مركز الصدارة من بين الكاتبات الكرديات اللاتي برزن اكثر منها وكتبت دراسات نقدية عن نتاجاتهن.
وهذه الحالة كما اتصور تعود بالدرجة الاولى الى ان باكورة اعمالها نشرت في السويد وبريطانيا عام 1988، وحتى بعد الانتفاضة المجيدة عام 1991 لم تكن الظروف متاحة لنشر رواياتها والوصول الى ايدي القراء، اضافة الى اسباب اخرى لا أجد ضرورة لذكرها.
فها اني قرأت نصها الكردي مرتين، وبعد ترجمتها الى العربية ومراجعتها وتنضيدها قرأت النص العربي اثناء تصحيح التنضيد عدة مرات، الامر الذي يدعوني ان تكون قراءاتي قراءة نقدية تستدعي التحليل كونها قراءة استيعابية اصبحت على بينة من بلوغ فحواها. واكثر من ذلك اطلعت بشكل جيد على سيرة وحياة الكاتبة والظروف التي مرت بها منذ الطفولة الى الآن. ولهذا تمكنت من اكتشاف قابليتها في صياغة الرواية كعمل جيد يستحق الكتابة عنه، والاعتراف بجودته بحكم قراءتي الاستيعابية المتعددة وحسي النقدي، وتذوقي الشخصي، وانحيازي التام الى الموقف الحيادي للكاتبة انطلاقاً من مصداقيتها، وحرصها الشديد على نقل الاحداث والوقائع بشكل موضوعي كأمانة ادبية واخلاقية. وبهذا تقدم سجلاً أميناً للمراحل التي تصدت لها وتعاملت معها بوعي وادراك دون ان تحيدها عن المسار الذي اختارته لومة لائم أو صولة صائل، والقارئ المطلع والمعايش لتلك الاحداث والوقائع التي تناولتها الروائية مخير في تقييمه لهذا المنجز الادبي المترجم الى لغة الضاد.