في زمننا هذا، لم تعد الأزمات تنشأ فقط من الواقع، بل أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة فاعلة لصناعة وتأجيج الأزمات، وأحيانًا تضخيمها بما يفوق حجمها الحقيقي. فما أن تقع حادثة أو تُثار قضية، حتى تشتعل المنصات بآراء وتحليلات واتهامات، قد تفتقر إلى أدنى درجات الدقة أو المسؤولية.
وسائل التواصل الاجتماعي لم تنشأ لتكون سلاحًا، لكنها تحولت في أيدي البعض إلى أداة خطيرة لتضخيم الخلافات، ونشر الشائعات، وإشعال نار الفتنة بين الناس. فتعليق واحد أو مقطع فيديو مجتزأ قد يُلهب الرأي العام ويفتح أبوابًا من الفوضى لا تُغلق بسهولة.تزداد خطورة هذا التصعيد عندما تُستخدم العواطف كوسيلة للتحريض، فيُستثار الجمهور دون تمحيص، وتُزرع بذور الكراهية والانقسام بين فئات المجتمع، الأخطر من ذلك، أن بعض الأفراد أو الجهات يستغلون هذه الأزمات لأغراض شخصية؛ فيختلقونها أو يضخمونها بقصد التشويش، أو لتصفية حسابات، أو لجذب الانتباه.
وهنا يبرز دور الوعي المجتمعي كخط الدفاع الأول. فالمجتمعات الواعية لا تنجرّ خلف كل هاشتاغ، ولا تصدق كل عنوان صادم، بل تتريث، وتبحث عن الحقيقة من مصادر موثوقة. كما تقع على الأفراد مسؤولية أخلاقية في التحقق قبل النشر، وإدراك أن الكلمة قد تقتل معنويًا، أو تُشوّه سمعة، أو تزرع فتنة يصعب إطفاؤها.
كما أن لصُنّاع المحتوى والمؤثرين دورًا محوريًا في هذه المسألة، إذ يتحتم عليهم أن يكونوا صوتًا للعقل لا للتهويل، وأن يتعاملوا مع القضايا العامة بحذر ومسؤولية، لأن تأثيرهم قد يغيّر مسار قضية، أو يوجّه الرأي العام بالكامل.
إن العالم الرقمي لم يعد مساحة للتسلية فقط، بل بات ساحة ذات تبعات واقعية عميقة. فكل منشور، تعليق، أو إعادة تغريد قد يكون شرارة لأزمة أكبر.
لهذا، فإن الحذر، والوعي، واحترام الحقيقة، لم تعد رفاهية في عصر السوشيال ميديا، بل ضرورة لحماية المجتمعات من فوضى الكلمة العابرة، التي قد تُشعل نارًا لا تُطفأ بسهولة.
ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تعزيز الثقافة الرقمية لدى الأفراد منذ سن مبكرة، عبر التعليم والتوعية بأخلاقيات النشر والتفاعل، وإدراج مفاهيم التفكير النقدي والتحقق من المعلومات ضمن المناهج الدراسية. كما يجب أن تكون هناك تشريعات واضحة تُنظم الفضاء الإلكتروني وتُحاسب من يعبثون باستقرار المجتمع من خلف الشاشات. لأن حماية النسيج المجتمعي لم تعد مسؤولية فرد أو جهة بعينها، بل مسؤولية جماعية تتطلب تكاتف الجميع لمواجهة هذا الواقع الجديد بحكمة ووعي.
فهنالك الكثير من القضايا ومنها القتل التي تُعد من أكثر القضايا التي تثير ضجة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي. فور وقوع حادثة قتل، تنتشر الأخبار بسرعة هائلة وغالبًا ما تكون مصحوبة بمعلومات غير مكتملة أو متضاربة، مما يؤدي إلى موجة من الغضب والاتهامات والتشنجات العاطفية بين الناس.
في النهاية، تبقى السوشيال ميديا أداة قوية لا يمكن تجاهل تأثيرها الكبير على حياتنا ومجتمعاتنا. ولكن قوة هذه الأداة يجب أن تصاحبها مسؤولية كبيرة من كل مستخدم ومؤثر، لنحولها من محرّك للأزمات إلى منصة للتواصل البناء والحوار الهادف. فالوعي، والتمحيص، والاحترام المتبادل هي المفاتيح التي تساعدنا على الاستفادة من هذه الوسائل دون أن نغرق في دوامة الفوضى والانقسام. ولن يكون هناك مجتمع قوي ومستقر إلا إذا عملنا جميعًا على ترسيخ قيم الصدق، والحكمة، والتعاون في عالمنا الرقمي، فبهذه القيم فقط نستطيع بناء مستقبل أفضل.
المصدر .. الصباح