كتابة : سالار محمود
ترجمة : نرمين عثمان محمد
أبشع وأقذر اسم بين الجلادين الذين ارتكبوا الجرائم في حملات الأنفال داخل معتقل نوگره سلمان هو اسم “عجاج”.
ذلك الضابط الذي كان مسؤولًا عن سجن قلعة نوگرە سلمان، عُرف بأنه شخص سادي، وتعامل مع الناس بوحشية مفرطة وانعدام كامل للإنسانية.
في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2006، دُعي عدد من الكُتّاب المتخصصين في مجال الأنفال والإبادة الجماعية بصفة مراقبين لحضور جلسات المحكمة الجنائية العليا في بغداد حول ملف الأنفال. كان من بينهم: (لطيف فا تح فرج، طه سليمان، محمد حمه صالح توفيق، عمر محمد، مجيد صالح، عبد الله كريم محمود، سالار محمود).
في الجلسة الأولى لليوم الثاني لجلسات المحكمة حيث كنت حاضرأ في قاعة المحكمة ، بتاريخ 11/10/2006، تقدمت إحدى النساء العذراوات الناجيات من المعتقل للإدلاء بشهادتها، لتسرد أمام المحكمة ما عانته خلال فترة احتجازها في نوگرە سلمان. وخلال حديثها، ذكرت اسم عجاج أكثر من مرة، وكلما نطقت بإسمه تنهدت تنهيدة مريرة. وبمشاعر يملؤها الألم تحدثت عن أساليب الاعتداء الجنسي التي تعرضت لها على يد ذلك الجلاد في قلعة نوگره سلمان.
أثناء حديثها، أوقف القاضي محمد العريبي البث المباشر للجلسة عبر التلفزيون، وأغلق زر التسجيل الأحمر أمامه حتى لا تُنقل تفاصيل الشهادة إلى القنوات الفضائية.
الناجية روت كيف كان عجاج مع اثنين من حراسه يختارون الفتيات ليلا ويقتادونهن إليهم، وبحجج مختلفة ، ليمارسوا ضدهن أبشع أنواع الانتهاكات. وأجهشت بالبكاء قائلة: “لقد جرّوني إلى ذلك العذاب، وتعرضت للإغتصاب بصورة وحشية ومخزية.”
ساد القاعة صمت عميق، وكان القاضي محمد العريبي متأثرًا إلى حد أن العرق تصبب على جبهته ولم يستطع رفع رأسه، بل بكى بحرقة على منصة القضاء وهو يمسح العرق من جبهته بيده اليمنى وومع إستمرار الشاهدة في الحديث أستمر القاضي بعد دقائق وبكل هدوء بمسح العرق المتصبب من جبينه بكلتا يديه ، في حين إن القاضي الآخر والذي كان على يسار العريبي كان يبكي بكل هدوء والدموع تنهمر من عينيه من تحت نظاراته وهو يمسحها بسرعة.
أسلوب الشاهدة في السرد كان مؤثرًا للغاية، خاصة أنها أدلت بشهادتها بالعربية الفصحى ببلاغة قوية، حتى بدت وكأنها من أفضل المتحدثين بالعربية. لم تكن فقط متقنة للغة، بل كانت تمتلك وعيًا أدبيًا عاليًا، إذ صاغت معاناتها بلغة رفيعة مؤثرة، مما عمّق الأثر النفسي والوجداني في نفوس الحاضرين، وأغرق القاعة في البكاء والحزن، باستثناء صدام حسين ومن كانوا معه في القفص.
وفي إحدى الجلسات اللاحقة، أدلى الشاهد عبد الله سعيد أحمد، من أهالي گۆپتهپه، بشهادته، مؤكدًا أن حياتهم في نوگره سلمان كانت جحيمًا بسبب المرض والجوع والظروف القاسية، حتى باتوا على يقين بأنهم سيموتون جميعًا. وأضاف: “ذهبنا إلى عجاج (وذكر اسمه صراحة)، وقلنا له إننا على وشك الهلاك بسبب المرض والجوع والقذارة، فردّ علينا بالقول: لقد جئتم إلى هنا لتموتوا، لم تُرسلوا إلى نوگرەسلمان لتعيشوا.”
في المحكمة الجنائية العليا، سُجلت عشرات الشهادات ضد عجاج على لسان الناجين من سجن نوگره سلمان وما ورد ذكره ليس سوى شهادة شخصين من الناجيين أما خلال جلسات قضية الأنفال، التي بلغت 61 جلسة منذ بدايتها وحتى جلسة النطق بالحكم، جُمعت أدلة وشهادات عديدة تثبت إدانته. وأعلنت مديرية الأمن الوطني العراقية في بيان رسمي أنها اعتقلت عجاج أحمد حردان في 29/7/2025 في الضلوعية.
بعدما أدلى العديد من ضحايا الأنفال بشهاداتهم أمام محكمة محافظة المثنى، إضافة إلى شهادات جديدة فردية وجماعية، بات من الضروري ربط هذه الإفادات بما وثقته المحكمة الجنائية العليا أثناء تحقيقاتها في ملف الأنفالضد عجاج ورفاقه من المجرمين الآخرين .
الاتهامات التي وُجهت إلى عجاج في المحكمة الجنائية العليا شملت: القتل، والتعذيب، والاعتداء الجنسي على النساء والفتيات الطاهرات، وإلقاء الجثث للكلاب السوداء، إلى جانب جرائم أخرى.
لقد آن الأوان لتنفيذ القانون بموجب قانون المحكمة رقم (10) لسنة 2005 وقرارات هيئة القضاة، وتوحيد التهم الموجهة إلى ذلك الجلاد ضمن الأحكام القضائية.
إن هذه الشهادات تعيدنا إلى زمن حكم البعث، وتندرج ضمن صلاحيات المحكمة الجنائية العليا. إن القبض على ذلك الجلاد بعد 37 عامًا من ارتكابه الجرائم، وبعد 23 عامًا من سقوط نظام البعث، ورغم تأخره، فإنه يثبت أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
واليوم، يقف عجاج البعثي أمام عدالة القانون، في فرصة مهمة لاستعادة جزء من حقوق الضحايا، وإحياء ذكرى جرائم الأنفال.

