الكاتب .. علي ضياء الدين
في خضم الصراع الذي لايتوقف على السلطة ومكاسبها في هذا البلد المبتلى بالفاسدين تتراجع الى الخلف قضايا أخرى خطيرة ماعادت تحظى بالإهتمام الذي تستحقه لأن جعجعة المواجهات بين أطراف العملية السياسية من أجل الحصول على أكبر قدر من الغنائم غطت عليها وشغلت الناس عنها وحرفت الاهتمام بها وقذفت بها الى آخر قائمة الأولويات. ماهي هذه القضايا الخطيرة؟ إنها كثيرة لكن في المقدمة منها ظاهرة العبث بالمال العام التي لازمت الوضع العراقي.
ليس من الصعب على المراقب الوصول الى خلاصة أن هناك قرار إتفق عليه أعداء العراق فيما بينهم ضمناً ومن حيث النتيجة في ألا يتمتع الناس ولا الدولة بالأموال التي تأتي من تصدير البضاعة الوحيدة التي يمتلكها البلد، النفط.
على مدى كل هذه السنوات العجاف التي أعقبت 2003 كانت العائدات تذهب الى غير وجهتها التي تستحقها بهدف إفراغ الخزينة العامة من الأموال. فتحت ذريعة تعويض المتضررين من النظام السابق تم التلاعب بالضوابط وإدراج أسماء آخرين ممن لاينطبق عليهم وصف متضرر. وبلغ الإستهتار مداه الكبير عندما شمل التعويض أفراد الأسرة الواحدة جميعهم حتى الجنين الذي في بطن أمه. بل وشمل أقارب المتضرر البعيدين ولاأحد يعرف لماذا توجب أن يشمل التعويض هؤلاء غير وجود نية سيئة مبيتة تجاه هذا الوطن وأبنائه.
يمكن أن نتحدث، مثلاً، عن عمليات الإستحواذ على نسبة معينة من تكلفة أي مشروع أو مقاولة تذهب الى مكاتب تابعة لأحزاب السلطة عندما تكون إحدى الجهات الحكومية طرفاً فيها. لن نعيد هنا التذكير بذلك الكم الهائل من الاسراف بأموال الدولة، وتحت غطاء قانوني بالتأكيد، يتمثل بالمرتبات والتخصيصات الفاحشة التي تتمتع بها الرئاسات وأعضاء مجلس النواب واصحاب الدرجات الخاصة وهي مرتبات وتخصيصات خيالية لامثيل لها في اي دولة من دول العالم حتى الأكثر غنى من العراق بآلاف المرات.
ماهو تفسير هذا كله إذا لم يكن تعمد إفراغ البلد من أي فرصة للتنمية، أو لبناء مرافق للبنى التحتية، أو لتطوير المؤسسات التعليمية والصحية أو لتأمين حقوق تقاعدية للمواطن العادي عندما يبلغ من العمر عتيا.
هناك خلاصة مفادها انه ممنوع بناء مصنع أو جسر أو تطوير أساليب جديدة في الزراعة او الإدارة. كيف؟ بالسرقة والتبذير وابتكار منافذ هدر للمال العام.لماذا؟لأن هناك قرار غير مكتوب في أن يظل العراق بلداً يستورد البطاطا والالبان والحنطة والملابس والأحذية ولعب الطفال والأدوية ومبردات الهواء والمدافيء ناهيك عن التكنلوجيا المتطورة. تبقى جعجعة الصراع بين المتقاتلين على الكعكة تعلوا على الأصوات المطالبة بوضع حد لكل هذا الهدر للمال العام. لكن لافائدة من كل هذه الكلمات فلقد قيلت من قبل ملايين المرات.
نقلا عن صحيفة الزمان