أعادت الورقة التي قدّمها المبعوث الأمريكي توماس باراك إلى الواجهة ملفًا حساسًا في الداخل اللبناني: مستقبل سلاح حزب الله. فالوثيقة، المكوّنة من ست صفحات، تقترح خطة متدرجة تنتهي بتسليم السلاح قبل نهاية العام، مقابل انسحاب إسرائيلي من بعض المناطق المحتلة ووقف الضربات الجوية، مع إشراف الأمم المتحدة على التنفيذ.
رغم الطابع “التدريجي”الذي حاولت واشنطن إظهاره، فإن جوهر الورقة يتجاوز مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة ليضع لبنان أمام مقايضة صعبة: نزع سلاح المقاومة مقابل وعود إسرائيلية لم تُثبت التجارب السابقة التزامًا بها.
الموقف اللبناني الرسمي جاء متباينًا. رئيس مجلس النواب نبيه برّي انتقد إدراج ملف السلاح تحت التهديد الإسرائيلي، لكنه في الوقت ذاته أبدى انفتاحًا على النقاش تحت سقف الدستور، وهو موقف يسعى إلى الموازنة بين حماية شرعية المقاومة وفتح الباب أمام حوار وطني منضبط. حزب الله من جهته جدّد تمسكه بسلاحه، معتبرًا أن الضغوط الأمريكية تستهدف سيادة لبنان لا الحزب وحده.
في المقابل، تبدو واشنطن وتل أبيب عازمتين على تحويل اتفاق وقف إطلاق النار (نوفمبر 2024) إلى مدخل لإعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية في لبنان. غير أن غياب الثقة في الجانب الإسرائيلي – الذي لم يلتزم أصلًا بوقف الخروقات الجوية أو بالانسحاب الكامل – يثير شكوكًا حول جدوى أي تسوية من هذا النوع.
لبنان اليوم أمام معادلة دقيقة: من جهة، ضغوط دولية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة؛ ومن جهة أخرى، هواجس داخلية ترى في سلاح المقاومة ضمانة في وجه التهديدات الإسرائيلية. الخروج من هذه الدائرة يتطلب حوارًا وطنيًا جامعًا، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، يوازن بين مقتضيات السيادة ومتطلبات الأمن.
فالورقة الأمريكية، على أهميتها كعنصر ضغط سياسي، لا يمكن أن تحسم وحدها جدلاً بهذا الحجم. وحده التوافق الداخلي، المدعوم برؤية استراتيجية واقعية، قادر على رسم مستقبل سلاح حزب الله، وعلى تجنيب لبنان منزلقات الانقسام أو الفوضى.
الورقة الأمريكية وسلاح حزب الله: بين الضغوط الخارجية والحوار الداخلي
لم يكن الموقف الأخير لرئيس مجلس النواب نبيه برّي مجرد تصريح عابر، بل جاء في لحظة سياسية دقيقة، حيث تواجه الحكومة اللبنانية ضغطًا أمريكيًا متصاعدًا لتنفيذ الورقة التي قدّمها المبعوث توماس باراك بشأن مستقبل سلاح حزب الله.
الورقة الأمريكية، المؤلفة من ست صفحات، تقترح خطة متدرجة لنزع سلاح الحزب، تبدأ بخطوات محدودة وتنتهي بتسليم السلاح بالكامل قبل نهاية العام. في المقابل، تعد إسرائيل بوقف الضربات الجوية والانسحاب من بعض الأراضي المحتلة، على أن تشرف الأمم المتحدة على التنفيذ. ورغم هذا الغلاف الدبلوماسي، فإن المقترح يبدو أقرب إلى صيغة بديلة لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم العام الماضي، لكنه هذه المرة يضع المقاومة اللبنانية في صلب المعادلة.
برّي، الحليف الأبرز لحزب الله، انتقد بشدة إدراج ملف السلاح على طاولة البحث تحت التهديد الإسرائيلي، واعتبر أن هذا النقاش يتجاوز مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة. لكنه في الوقت ذاته أبدى انفتاحًا على الحوار تحت سقف الدستور، في محاولة واضحة للجمع بين حماية شرعية سلاح المقاومة والحفاظ على مساحة للتفاوض الداخلي. وهو الموقف الذي ينسجم مع تصريحات نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي شدّد على أن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لا تستهدف الحزب وحده بل سيادة لبنان برمّتها.
في المقابل، تبدو واشنطن وتل أبيب عازمتين على استثمار نتائج اتفاق نوفمبر 2024 لتحويله إلى مدخل لتفكيك قدرات حزب الله. غير أن المعضلة الجوهرية تكمن في غياب الثقة: فإسرائيل لم تلتزم أصلًا ببنود الاتفاق، واستمرت في خروقاتها واستباحة الأجواء اللبنانية، الأمر الذي يجعل أي مقايضة بين السلاح والوعود الإسرائيلية أقرب إلى فخ سياسي.
المشهد الداخلي لا يقل تعقيدًا. الانقسام التقليدي حول سلاح حزب الله عاد إلى الواجهة: فريق يرى في السلاح عبئًا على الدولة ومصدرًا لعزلتها، وآخر يعتبره ضمانة أساسية في مواجهة إسرائيل. لكن ما يجمع الموقف الشيعي – من برّي إلى الحزب – هو رفض الطرح الأمريكي بالشكل الذي طُرح، مع الإبقاء على خيار الحوار الوطني.
الخلاصة أن الورقة الأمريكية ليست مجرد مبادرة تقنية، بل ورقة ضغط سياسية تسعى لإعادة رسم التوازنات في لبنان. إلا أن معادلة السلاح في الداخل لا يمكن أن تُحسم بإملاءات خارجية، بل عبر حوار لبناني جامع يوازن بين ضرورات السيادة ومتطلبات الأمن. وحتى يتحقق ذلك، سيبقى سلاح حزب الله محور التجاذب بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وبيروت بمكوّناتها المتنوعة من جهة أخرى.