كتب / رزكارشواني
في الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الشاعر الكوردي الكبير محمد البدري، نتذكر هذا الإنسان الطيب والخلوق والمناضل المثقف الذي ترك بصمة واضحة في مسيرة الأدب الكوردي والعراقي على حد سواء، فقد كان شاعراً مخلصاً لقضيته، وصاحب حضور بارز في الساحة الثقافية لعقود طويلة.
عرفت الأستاذ محمد البدري رحمه الله فی تسعينيات القرن الماضي، حين كان عضواً في المكتب التنفيذي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق / مكتب الثقافة الكوردية ، و كان أول لقاء لي معه في مهرجان شعري أقيم بمدينة كركوك تحت عنوان (إبداعنا)، بحضور رئيس اتحاد الأدباء والكتاب آنذاك الشاعر رعد بندر، وجمع من الشعراء من مختلف القوميات. أتذكر جيداً أن الشاعر البدري ألقى في ذلك المهرجان قصيدته الكوردية الشهيرة (من و جيمەن) أي “أنا وجيمن”، تلك القصيدة التي حملت بين طياتها عشق المكان والإنسان، إذ قال لي فيما بعد إنه كان مولعاً بمنطقة جيمن الواقعة على طريق كركوك – السليمانية ، كتبت آنذاك تقريراً صحفياً عن المهرجان في صحيفة هاوكارى التي كنت مراسلاً لها، ونشرت فيه القصيدة التي سلمني إياها بخط يده على قصاصة ورق صغيرة .
مع مرور الزمن توطدت علاقتي بالأستاذ الراحل محمد البدري، وكنت ألتقيه كثيراً في مقر اتحاد الأدباء أو في دار الثقافة والنشر الكوردية ببغداد، وكذلك في المهرجانات الثقافية والأدبية، ومنها مهرجان المربد الشعري الذي كان يحرص دائماً على المشاركة فيه. كان البدري يمثل نموذجاً فريداً للشاعر الذي لا يكتفي بالكتابة، بل يترجم الكلمة إلى فعل، فكان من أكثر الأدباء نشاطاً وحيوية، ومن أبرز المدافعين عن حقوق المثقف الكوردي، مساهماً بجهد كبير في فتح الأبواب أمام الطاقات الشابة وتشجيعها على الإبداع.
لقد كان للأستاذ البدري دور مشهود في خدمة الأدباء والمثقفين الكورد في كوردستان عموماً، وفي مدينة كركوك خصوصاً، تلك المدينة التي أحبها وكتب عنها وشارك في فعالياتها الثقافية حتى آخر أيام حياته. لم يكن شاعراً فحسب، بل كان رمزاً للإنسانية والوفاء والصدق، وصوتاً حراً ظل يعبر عن آمال شعبه وتطلعاته.
رحم الله الشاعر الكبير محمد البدري، وأسكنه فسيح جناته، وسيظل اسمه وذكراه حاضرين في وجدان محبيه وتلامذته وقرائه، فالشعراء لا يرحلون أبداً، بل تبقى قصائدهم نبراساً للأجيال.

