بات الجفاف يشكل الخطر الأكبر على محافظة السليمانية الواقعة في إقليم كردستان شمالي العراق، ماتسبب بهجرة جماعية لسكان القرى وترك مناطقهم الزراعية، واللجوء لمراكز المدن.
وبحسب إحصائيات مختلفة فأنه، وبسبب تخفيض حصة العراق من الإيرادات المائية من قبل دول الجوار وتحديداً تركيا وإيران، فقد بات الجفاف يهدد سكان العراق وألقى بظلاله بشكل كبير على القطاع الزراعي.
ويقول مدير ماء السليمانية سربست عثمان إنه، وبسبب الجفاف فأن المحافظة لن تستطيع إكمال الخطة الزراعي ة الشتوية القادمة، وحتى مياه الآبار بدأت تنفذ نتيجة الاستخدام الكبير لها من قبل المواطنين.
مبيناً أن، موسم الأمطار في شتاء عام 2022 لم يكن كافياً، وما سقط من مياه لم يرفع مناسيب سدود دوكان ودربندخان بشكل كبير، وبالتالي فأن الموسم القادم ستواجهنا مشكلة كبيرة في توفير مياه الشرب للمواطنين.
عدد القرى التي تركها سكانها
ويقول عضو المجلس المحلي لإدارة كرميان آرام كمال إن، أكثر من 42 قرية هجرها سكانها في مناطق كلار وكفري بسبب عدم وجود المياه الكافية لإكمال الخطة الزراعية.
لافتاً في حديثه إن، المزارعين باشروا في الخطة الزراعية الصيفية في شهر آذار من العام الحالي، على أمل أن تجد الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان حلاً لمشكلة المياه، لكن ذلك لم يحصل ما أدى إلى خسارة كبيرة تقدر بحوالي 4 مليارات دينار.
وأضاف أن، سكان هذه القرى تركوا مهنتهم الأصلية وهي الزراعة، ولجئوا للعمل بمراكز المدن في مهن أخرى، وهذا الأمر تسبب بخسارة اقتصادية فادحة، وزاد من معدلات الاستيراد من إيران تحديداً، التي تعتمد عليها محافظة السليمانية بدرجة عالية لتوفير المواد الغذائية والمستلزمات الأخرى.
قرار حكومي لمواجهة الأزمة
قرر مجلس محافظة السليمانية وضمن إطار مواجهة موسم الجفاف السماح لأصحاب حقول الدواجن، ومربي الحيوانات، والمزارعين بحفر الآبار لأستخراج المياه الجوفية.
وقال رئيس مجلس المحافظة آزاد محمد إنه استنادا للمادة الثامنة من القانون رقم 3 لسنة 2009 لمجلس محافظة السليمانية في إقليم كردستان قررنا السماح بحفر الآبار وفقا للتعليمات رقم 1 لسنة 2015 لوزارة الزراعة .
وأوضح ان تنفيذ هذا القرار يدخل ضمن إطار مواجهة موسم الجفاف، مشددا على عدم السماح بحفر الآبار بالطرق غير القانونية.
و أعلنت إدارة منطقة كرميان في محافظة السليمانية أن، جفافا اجتاح المنطقة هذه السنة بسبب قلة تساقط الأمطار، داعية إلى تخصيص مبلغا ماليا يقدر بأكثر من 2 مليار دينار من ميزانية الطوارئ لمواجهة هذا الجفاف.
هجرة جماعية بسبب السدود الإيرانية
وأكد الخبير الزراعي ميران سلام أن، أكثر من 2700 مزارع في مناطق كرميان التابعة لمحافظة السليمانية تركوا قراهم وهجروها إلى مراكز المدن وأضطروا للعمل في مهن أخرى.
ويضيف أن، تلك القرى كانت تعتمد على سد دربندخان وسد حمرين في محافظة ديالى وأحد البحيرات الواقعة ي قضاء خانقين، وبعد إيقاف ضخ المياه من قبل إيران، وإنشائها لمجموعة من السدود على الشريط الحدودي مع إيران، تعرضت قرى يتجاوز عددها 80 قرية إلى الجفاف.
ومنذ سنوات، يتراجع منسوب بحيرة دوكان ونهر الزاب اللذان تعمتمد عليهم السليمانية بشكل كبير، كما هو الحال مع غالبية مجاري المياه في العراق الذي يُعد، بحسب السلطات العراقية، بين البلدان الخمسة الأكثر عرضةً لتأثيرات التغير المناخي والتصحر في العالم.
فقد انخفض مخزون العراق المائي بنسبة 60%، ومع تراجع نسبة الأمطار وثلاث سنوات جافة، أرغم العراق على خفض مساحة أراضيه المزروعة.
كان المزارعون في الماضي يحفرون آباراً قليلة العمق يحصلون منها على المياه لريّ محاصيلهم، لكن اليوم “فقدت الآبار 70% من مياهها بسبب الجفاف”.
أنشئ سدّ بحيرة دوكان في خمسينات القرن الماضي وهو يجمع مياه نهر الزاب قبل أن تواصل طريقها إلى نهر دجلة.
لكن “السدّ الآن ممتلئ بنسبة 41% فقط من قدرته”، بسبب تراجع منسوب نهر الزاب كما يشرح مديره كوشار جمال توفيق.
ويؤمّن السدّ خصوصاً مياه الشرب لنحو “ثلاثة ملايين شخص، لا سيما في السليمانية وكركوك”.
وزاد الأمر سوءًا انخفاض معدّل الأمطار إلى 300 ملم في 2021 مقابل معدّلها العام البالغ 600 ملم. أما العام 2022 فلا يختلف كثيراً عن العام السابق.
ويؤكد مدير السد جمال كوجر أنه “نقوم بإطلاق 90 متراً مكعباً من المياه في الثانية، مقابل 200 إلى 250 مترًا مكعّبًا حينما كان السدّ ممتلئاً”. ونتيجةً لذلك، أرغم المزارعون على زراعة نباتات “لا تحتاج الكثير من المياه”.
ويبين أن “مخزون المياه الموجود في السد يكفي للاستخدام البشري ولايمكن بأي حال من الأحوال تنفيذ الخطة الزراعية في محافظة السليمانية لهذا العام، وعليه يجب أن يرتفع معدل الإيرادات بأكثر من مترين، لنكون قادرين على تزويد المشاريع الزراعية بالمياه”.
تراجع كبير في إنتاج القمح
ويقول هيوا محمد وهو فلاح من منطقة شهرزور، جنوب شرق السليمانية، إن “الجفاف وقلة الأمطار تسببا بانخفاض مستوى المياه المخصصة للزراعة، فالكثير من الفلاحين غادروا أراضيهم إلى مهن أخرى”.
ويضيف أن “زراعة القمح في شهرزور تراجعت بنسبة 80 ٪، والآن الفلاحون يستغلون 10 ٪ من أراضيهم فقط لكي يستطيعوا ادامة مشاريعهم بكمية المياه المتوفرة.
وعن طرق مواجهة كارثة الجفاف يؤكد باقي أن “الفلاح وحده هو من يواجه تحديات الجفاف، فالطريق التي قد تكون متاحة امامه هي حفر الآبار الارتوازية لكن الجهات الحكومية تمنع حفرها، لهذا نلجأ إلى عمليات (التقطير) ومصاريفها كثيرة مقارنة بالطرق الاروائية الأخرى”.
وبحسب إحصائيات مختلفة فأن إنتاج القمح والذي يعد من أكثر المحاصيل الزراعية تضرراً من الجفاف فقد تراجعت نسبة إنتاجه من (60 إلى 70) ٪ في السليمانية عموماً، بسبب عدم حصاد محصول في 75٪ من المناطق التي تعتمد على مياه الأمطار باستثناء بعض المناطق التي تعتمد على مصادر أخرى في عملية السقي.
ووجهت دعوات ومناشدات من الفلاحين إلى حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية بضرورة التدخل السريع لإيجاد الحلول وإنهاء الهجرة الجماعية للفلاحين من قرى محافظة السليمانية.
ديار الطائي
التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr